بسم الله الرحمن الرحيم
عبد الرحمن بن ندى العتيبي
بدأ نزول الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم في أول مرة في غار حراء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة يمكث الأيام في خلوة في غار
حراء ولم يكن يعلم أنه سيبعث للعالمين، مبشرا بدين الإسلام قال تعالى (وَكَذَلًكَ أَوْحَيْنَا إًلَيْكَ رُوحاً مًّنْ أَمْرًنَا مَا كُنتَ تَدْرًي مَا الْكًتَابُ وَلَا الْإًيمَانُ وَلَكًن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدًي بًهً مَنْ نَّشَاء مًنْ عًبَادًنَا وَإًنَّكَ لَتَهْدًي إًلَى صًرَاطي مُّسْتَقًيمي) [الشورى- 52].
كانت قريش تعبد الأصنام، وكانت العرب على ملة إبراهيم وأول من أدخل عليهم عبادة الأصنام عمرو بن يحيى الخزاعي فقد ذهب للشام ووجدهم يعبدون الأصنام وجلب ذلك للعرب فاتخذوا آلهة من دون الله يعبدونها وأصبح لكل قبيلة صنم ومنها اللات والعزى ومناة وهُبل، ولم يكن النبي محمد صلى الله عليه وسلم مقتنعا بعبادة الأصنام ومن العرب من عندهم بقايا من آثار ملة إبراهيم ومنها الانقطاع للتعبد في معزل عن تلك الأصنام، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «أول ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه- وهو التعبد- الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة ولمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فاخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم)، فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فقال لخديجة وأخبرها الخبر" [رواه البخاري].
وبهذا الوحي ينكشف لمحمد صلى الله عليه وسلم سر الكون لتحصل معرفة خالقه، ولماذا خلقه؟ وأن خلقه خالق عظيم يدبر أمر الكون بحكمة، فهو الذي خلق الإنسان لكي يعبد الله وحده لا شريك له والمتأمل في سورة العلق يجد أنها تحدثت عن خلق الإنسان وعن إثبات البعث (إن إلى ربك الرجعى) ففيها إجابة عن تساؤلات عدة: من الخالق؟ وما نهاية الخلق؟ وهل هناك بعث بعد هذه الحياة؟ فالله هو الخالق، وإليه المعاد، وسيبعث الإنس والجان ويجازون على أعمالهم، قال تعالى (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) وبنزول الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم تمت هدايته إلى معرفة ربه، قال تعالى (ووجدك ضالا فهدى) فقد أنعم الله على محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي فاصطفاه لحمل الرسالة وتبليغها للعالمين، فكانت هذه النعمة العظيمة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمة العرب بأن أرسله الله منهم وجعل ما يوحى إليه بلسانهم العربي.
غار حراء الموقع والمكان
الغار لغة: النقب في الجبل وجمعه غيران.
حًراء: قال في مختار الصحاح: حًراء جبل بمكة وغار حراء يقع في مكة شرق الكعبة المشرفة ويبعد عنها ثلاثة أميال تقريبا ويسمى الحي الذي فيه الجبل حي النور، والغار في أعلى الجبل والجبل له حنية مشرفة على الكعبة، والغار في تلك الحنية والجبل شاهق الارتفاع، ومساحة الغار صغيرة، تقريبا مترين في مترين، وإليه كان يذهب النبي صلى الله عليه وسلم فيصعد الجبل ويجلس في الغار في خلوة يتفكر في آيات الله غير مقتنع بعبادة قومه للأصنام، ثم يعود لمنزله ومخالطة قومه الذين كانوا يجلونه ويقدرونه لما يعلمون من طيب أخلاقه وجميل صفاته وحسن معشره وكان يتردد إلى الغار بين فترة وأخرى.
قال الشاعر:
هذا حراء فسائلوه يجبكم
فلعله سفر من الأسفار
واستلهموه مواقف الوحي التي
شع الهدى منها على الأقطار
وسلوه ماذا أقل من البطولة
والحجى؟ أكرم به من غار
كم بين صاحبه وبين الطغاة
من فارق فصلوا على المختار
شتان بين محرر الأقوام
والمستعبدين سلائل الأحرار
حب استطلاع
قبل بضع سنوات ذهبت إلى مكة وبعد العمرة مكثت أياما في مكة وحدثتني نفسي بالذهاب إلى غار حراء فاتجهت إلى المكان بنية حب الاستطلاع وليس بنية العبادة لأن الشرع لم يأمر بالذهاب إلى ذلك المكان وفي ذلك الوقت دونت ما قمت به في تلك الساعة، ومن الناس من يستمتع بذكر المشاهدات ويستفيد من معرفة الأماكن، وأنا أنقل ما كتبته في حينه (في يوم الأربعاء 6/4/ 1422هـ وفي مكة المكرمة قمت بالصعود إلى غار حراء وبدأت الصعود في الساعة الثامنة وخمس عشرة دقيقة صباحا وتم الوصول إلى قمة الجبل الساعة التاسعة وأربعين دقيقة صباحا وكان الأمر صعبا وشاقا لأن الجبل عالي الارتفاع وفيه منحنيات ومنعطفات خطيرة جدا، خاصة لمن لم يعتد تسلق الجبال مثلنا لأنه لا يوجد في الأماكن التي نسكنها، وفي الجبل استراحات قمت بالاستراحة فيها ثم واصلت إلى أن وصلت إلى أعلى الجبل فجلست في مكان مظلل وعنده أخوة من الهند من كشمير يبيعون الماء والعصير، بعد هذا المكان وبالقرب منه يوجد الغار، وعلى حافة من الجبل وهو غار صغير تدخله ثم يكون مسد صخرة لا يسمح إلا بدخول شخص غير سمين ومساحته صغيرة وفيه فتحات ترى منها جهة الكعبة، حدثني الكشميري البائع في اعلى الجبل أنه خلال خدمته ثلاث سنوات عند هذا المكان قد مات ستة أشخاص يسقطون من الجبل عندما يتسلقونه للوصول للغار منهم رجل تركي سقط من خلف الغار وامرأة من السودان سقطت من الجبل وأن ذلك حصل في حالة الزحام الشديد ومن بعد ذلك نزلنا والحمد لله على السلامة بعد المشقة والمخاطرة).
لا يجوز أن يعظم من الأماكن إلا ما أمر الله بتعظيمه
غار حراء لا يتعلق به أي عبادة فليس له علاقة بالعمرة أو الحج، ومن ذهب إلى مكة ولم يذهب إليه فلا حرج عليه، ولم يسن في الشرع زيارته، وليس للدعاء عنده أفضلية، فهو مكان يذكر في تاريخ نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولا علاقة له بالعبادات وقد وضعت لوحة كبيرة إرشادية في أسفل الجبل تشير إلى أن غار حراء لا يتعلق به أي عبادة ولا علاقة له بمناسبة الحج والعمرة ولا يجوز قصده بنية العبادة، فجزاهم الله خيرا على حماية جناب التوحيد والتحذير من البدع وتبصير المسلمين بأمور دينهم حتى لا يتعلقوا بالمحدثات من البدع ولأجل ألا يتعبد الناس بما لم يأذن به الله.
ولكم اجمل التحيات
yhv pvhx