تفسير قوله تعالى ( ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمه إنك انت الوهاب )
--------------------------------------------------------------------------------
قال تعالى ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب )
قال ابن الجوزي :
قوله تعالى ( ربنا لا تزغ قلوبنا ) أي يقولون ربنا لا تمل قلوبنا عن الهدى بعد إذ هديتنا .
وقال ابن كثير :
ثم قال تعالى مخبرا أنهم دعوا ربهم قائلين ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ) أي لا تملها عن الهدى بعد إذ أقمتها عليه ولا تجعلنا كالذين في قلوبهم زيغ الذين يتبعون ما تشابه من القرآن ، ولكن ثبتنا على صراطك المستقيم ودينك القويم اهـ.
وقال ابن عطية : وهذه الآية حجة على المعتزلة في قولهم إن الله لا يضل العباد ولو لم تكن الإزاغة من قبله لما جاز أن يدعي في دفع ما لا يجوز عليه فعله .
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يدعو يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، قلت يا رسول الله ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء !
فقال ليس من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن اذا شاء أن يقيمه أقامه وإذا شاء أن يزيغه أزاغه ، أما تسمعين قوله تعالى ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب )
ولفظ ابن أبي شيبة إذا شاء أن يقلبه إلى هدى قلبه وإذا شاء أن يقلبه إلى ضلال قلبه .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي وحسنه وابن جرير عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
قالوا يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا ؟ قال نعم ، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها .
وأخرج مسلم والنسائي وابن جرير والبيهقي عن عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك .
قال السعدي :
وهذه الآية تصلح مثالا للطريقة التي يتعين سلوكها في المتشابهات وذلك أن الله تعالى ذكر عن الراسخين أنهم يسألونه أن لا يزيغ قلوبهم بعد إذ هداهم ، وقد أخبر في آيات أخر عن الأسباب التي بها تزيغ قلوب أهل الانحراف وأن ذلك بسبب كسبهم كقوله : ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم )( ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم )( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ) فالعبد إذا تولى عن ربه ووالى عدوه ورأى الحق فصدف عنه ورأى الباطل فاختاره ، ولاه الله ما تولى لنفسه وأزاغ قبله عقوبة له على زيغه وما ظلمه الله ولكنه ظلم نفسه فلا يلم إلا نفسه الأمارة بالسوء والله أعلم .
قال ابن القيم في مدارج السالكين ج1/ص413 :
فصل المشهد السابع : مشهد التوفيق والخذلان :
وهو من تمام هذا المشهد ( يعني مشهد التوحيد ) وفروعه ولكن أفرد بالذكر لحاجة العبد إلى شهوده وانتفاعه به ، وقد أجمع العارفون بالله أن التوفيق هو أن لا يكلك الله إلى نفسك وأن الخذلان هو أن يخلى بينك وبين نفسك فالعبيد متقلبون بين توفيقه وخذلانه بل العبد في الساعة الواحدة ينال نصيبه من هذا وهذا فيطيعه ويرضيه ويذكره ويشكره بتوفيقه له ثم يعصيه ويخالفه ويسخطه ويغفل عنه بخذلانه له فهو دائر بين توفيقه وخذلانه فإن وفقه فبفضله ورحمته وإن خذله فبعدله وحكمته ، وهو المحمود على هذا وهذا له أتم حمد وأكمله ولم يمنع العبد شيئا هو له وإنما منعه ما هو مجرد فضله وعطائه وهو أعلم حيث يضعه وأين يجعله
فمتى شهد العبد هذا المشهد وأعطاه حقه علم شدة ضرورته وحاجته إلى التوفيق في كل نفس وكل لحفظ وطرفة عين وأن إيمانه وتوحيده بيده تعالى لو تخلى عنه طرفة عين لثل عرش توحيده ولخرت سماء إيمانه على الأرض وأن الممسك له هو من يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه فهجيرا قلبه ودأب لسانه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك ، ودعواه يا حي يا قيوم يا بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك .
ففي هذا المشهد يشهد توفيق الله وخذلانه كما يشهد ربوبيته وخلقه فيسأله توفيقه مسألة المضطر ويعوذ به من خذلانه عياذ الملهوف ويلقي نفسه بين يديه طريحا ببابه مستسلما له ناكس الرأس بين يديه خاضعا ذليلا مستكينا لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ونشورا .
فائدة:
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم ) :
فإن قيل فكيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وغيرها وهو متصف بذلك فهل هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا فالجواب أن لا ، ولولا احتياجه ليلا ونهارا إلى سؤال الهداية لما أرشده الله تعالى إلى ذلك فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية ورسوخه فيها وتبصره وازدياده منها واستمراره عليها فإن العبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله فإنه تعالى قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه ولا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل وأطراف النهار وقد قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ) الآية فقد أمر الذين آمنوا بالإيمان وليس ذلك من باب تحصيل الحاصل لأن المراد الثبات والاستمرار والمداومة على الأعمال المعينة على ذلك والله أعلم ، وقال تعالى آمرا لعباده المؤمنين أن يقولوا ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) .
قوله تعالى : ( وهب لنا من لدنك رحمة )
( وهب لنا من لدنك رحمة ) تثبت بها قلوبنا وتجمع بها شملنا وتزيدنا بها إيمانا وإيقانا . [ ابن كثير ]
( إنك أنت الوهاب ) يعني إنك أنت المعطي عبادك التوفيق والسداد للثبات على دينك وتصديق كتابك ورسلك . [ الطبري ]
ادعو لكاتبه وناقله
jtsdv r,gi juhgn ( vfkh ghj.y rg,fkh fu] Y` i]djkh )