وجهة نظرٍ في وجاتِ النّظرِ

[justify]
إذا غدتْ وجهات النظر متباينة تباين الليل من النهار , و صار الناس كلٌّ مستبد بقوله , معتدٌ بنفسه , فإنه من المتوجِّب عليك ألا تعلّقَ على شيء من هذه الأراء , و ألا تعتقد شيئاً في حق هذه المعتقدات , فإنك إن فعلت ؛ فقد انتهكت الحقوق , و صادرت الحرِّيات.
ألا ترى أن لغيرك – و إن صغُرَ - الحق في وصفك و تصنيفك بل و محاربتك , وليس لك شيء من ذلك .
و له أن يقيّم اعتقادك بما تعتقد , من حيث التّشدد أوالتّساهل , أو التّطرّف أو التّحلّل , وإذا ما كنت وسطيّاً أو طرفيّاً , يمنيّاً أو يساريّاً , فأنت و ما تدين عرضة للنقد و التحليل .

و إن كنت في شك مما أقول فارسل البصر في صحافتهم , و اصغي بسمعك في اذاعتهم , ولا تنسى نصيبك من تلفزتهم , فإن لم تجد في نفسك ما وصفتُ لك , فأعد الكرّة , فإني لك من الضّامنين .

ولعلك تقول : إن قول القائل : هذا رأيٌ ضعيفٌ , أو سفيهٌ أو سافلٌ أو مخذولٌ , هو رأيهُ في أرائهم , وتصنيفهُ لتصنيفاتهم , فلأي شيء كان قولهُ أولى بالتهمة من أقوالهم ؟!.

فجوابي عن هذا : أنْ لا جواب لذلك , و لا اعرف لهذا النقض حجة تردعه و تبرمه , ولكننا في زمنٍ يُعزُّ فيه أصحاب الدُّثور , و حكّام الصحافة و الإعلام , و صاحبك لا يملك مجلة و لا صحيفة , و لا قناة و لا إذاعة , فليس لك - وليْ - إلا أن نحترم رأي غيرنا فينا , و نحتفظ بأرآئنا - في آرائهم - لأنفسنا , فإن عُدِمتَ الصّبر فلن تُعدمَ التّجاهل , و إن عُدمتَ التّجاهل فلن تُعدم التّشاغل بغير هذا الشأن !.

و ليت شعري ما يمنعنا عن وصف ذوي الجهالة بالجهل , و ذوي السّفاهة بالسفه , ألسنا نصفُ المجانين بالجنون , و المجرمين بالإجرام ؟.

و لقائل أن يقول : أولائك قوم قد قام بهم الجنون أو حلّ بهم الإجرام , وكلاهما المصحح لوصفيهم .
فأُجيبه : وكذلك الأمر في الحمقى و المغفلين , و السفهاء و المفسدين , فإما أن نرفع الوصف عن الجميع , و ليس هذا بمستطاع , أو فلنسمي الأشياء بمسمياتها !.

وما يزيد في يقيني بأن الأمر على ما يتشهي غيرنا , قول بعضهم في المذاهب الأربعة : ( الأمر فيها واسع ) , وهو في الحقيقة متوسعٌ في ثلاثة منها ؛ كلها إلا ما نحن عليه .

و قولهم في كل متحايل على تكاليف الشّريعة : ذاك الإمام المجتهد , فقوله عندهم صواب يحتمل الصّواب , وقول غيره خطأ يحتمل الخطأ !.

و لما كان الحال عندي على ما وصفت لك , فقد اخترت التّعامي عن ما يخوض فيه الخائضون , علني أجد في ذلك ما يطمئن به قلبي وتسكن به لوعتي .[/justify]