د. ديمة طارق طهبوب
وصيّة مضحكة قد تسمعها من بعض النّاس إذا كنت ستسافر إلى اسطنبول، تجعلك تتخيّل أنّ أردوغان جالس في المطار ينتظر الزوّار يستقبلهم، و يرحّب بهم!!
إلاّ أنّ الحديث له رمزيّة أخرى في الإعجاب بهذا الرّئيس الذي أصبح وجه تركيا الحديثة و أباها الجديد، و يمثّلها بمواقفه و مواقف حزبه، و الحركة التي انتمى إليها، و التي تقرّب بها إلى العرب، و قرّب تركيا إليهم عابرًا عقودًا من القطيعة و التّناحر وسوء الفهم.
"أردوغان تمام" بالتّفخيم، هكذا يلفظها أهل اسطنبول الذين يحسّون أنّ العرب يحبّونه، و يفخرون بأنّه ابن حيّ بسيط خرج من حواريهم ليصبح رئيس الدّولة، و مع ذلك لم ينفصل عنهم، و لم يقم بينه و بينهم الحواجز، بل إنّه لم يتخلّف يومًا عن واجب العزاء لأيّ تركيّ يفقد عزيزًا و يدعوه للجنازة، و كان عزاء والدته استفتاء شعبيًّا على محبّته وقربه من الشّعب.
لن يجد الزّائر أردوغان في المطار حتى يسلّم عليه، و لكنّه سيجد آثار قيادته الرّشيدة و إخلاصه عندما كان رئيس بلديّة اسطنبول، و حاليًّا كرئيس وزراء البلاد ماثلة في النّظام و الأمن و النّظافة، و ارتفاع مستوى المعيشة، و تقليص المديونيّة، و انخفاض البطالة، و الشّعور العامّ بالرّضا الذي يبدو على وجوه الأتراك الذين يجدون -على اختلاف طبقاتهم- أماكن للتّرفيه و الاستجمام، دون أن يحرم الغنيّ الفقير من متنفّس يروّح فيه عن نفسه في الحدائق و الشّواطئ التي لو وُجدت في بلادنا لسيطر عليها أصحاب الأموال، و احتكرها الأغنياء ليجتمع على الفقراء ضيق العيش و ضيق ذات اليد!
اسطنبول بهجة للنّاظرين أينما ولّيت وجهك، و يضيف النّظام الاجتماعيّ رونقًا على جمال الطّبيعة و خصب التّاريخ، إلاّ أنّ العرب يطّلعون على تاريخ تركيا من خرم إبرة المسلسلات؛ فلا يعرفون سوى قصص حبّهم أو فسقهم و عن العثمانيّين سوى حريمهم، و ينسون أن الإنصاف يقتضي أن نفهم أنّ تاريخنا بعد الخلفاء الرّاشدين و تابعهم العمريّ الأمويّ كان دائمًا منقسمًا بين نصر و هزيمة و صفحات مشرقة، و أخرى سوداء، و الحكّام يخلطون أعمالاً صالحة و أخرى سيّئة؛ فالبشر بشر، و لو كانوا أمراء أو سلاطين، و هم بهذه الجِبِلّة موضع الخطأ و النّقص و الزّلل.
و لقد أصاب العثمانيّون و أخطؤوا، كما أخطأ و أصاب من كانوا حديثي عهد و صحابة و تابعين لرسول الله -صلّى الله عليه و سلّم- من الأمويّين و العباسيّين، و لكن بمجمل الأمر كنّا عربًا و مسلمين أحسن حالاً و أكثر قوّة متوحّدين تحت الخلافة إلاّ في عصور الضعف، و ما رأى العرب خيرًا و لا قوّة منذ أن تشرذمنا في دويلاتنا منقوصة السّيادة، و تبعنا لأمريكا و المجتمع الدوليّ.
نراهن على القادم، و أن ما يجمعنا أكثر ممّا يفرّقنا، و هو بكل المقاييس أفضل من تسليم رقابنا لأمريكا، و لدى المدرسة التركيّة -قيادة و سياسة- الكثير ممّا يمكن أن نتعلّم و نستفيد منه في التّدرّج في إحداث التّغيير الاجتماعيّ.
"سلّموا على أردوغان" سمعتها غير مرّة و من أناس كثر، و ما سمعتها عن رئيس عربيّ من أقصى بلادنا إلى أقصاها؛ فرؤسارنا أبعد ما يكونون عنّا و لا يعرفهم الشّعب إلاّ إذا اقتضى التّصوير التّلفزيونيّ و المراسيم مصافحة أو قبلة او اجتماعًا أو زيارة!! بل إنّ معظم حكّامنا يرتبطون في عقول و قلوب شعوبهم بالخوف و التسلّط و الاستبداد و الاستحواذ!! و لا ندري كيف يعيش هؤلاء مع مشاعر كراهيّة الشّعوب لهم الذين لا يظهرون لهم الحبّ إلاّ اضطرارًا أو بشراء الذّمم، و هذه تعاسة الدّنيا على الرّغم من كلّ الحرس و البطش و البهرج، و قد سأل نيرون قيصر روما أغربين الشّاعر و هو يُعذّب: من أشقى النّاس؟ فأجابه معرّضًا به: من إذا ذكر النّاسُ الاستبدادَ كان مثالاً له في الخيال.
عندما اختار أردوغان أن يكون قريبًا من شعبه، و أن يخدمهم و لا يسرق منهم. اختار حياة هانئة لنفسه دون أن يتربّص الخوف و الموت له عند كلّ منعطف، و المعادلة عمريّة بسيطة مجرّبة، معروفة نتائجها: عدلْتَ فأمنْتَ فنمْت، و بغيرها لم يصلح الحكم و لم يستقم الحكّام.
في تركيا نسلّم على أردوغان، و في ماليزيا كنَّا نسلّم على مهاتير، و في غزّة على إسماعيل هنية، و في مصر الآن نستبشر بالسّلام على محمد مرسي.
فهل في الباقين من الحكّام من يستيقظ من غفلته، و يخلص من أسر مستشاري الشّيطان، و يقول: و أنا أيضًا؟!
و هل من عاقلٍ يبدّل قبول الدّنيا و الآخرة و النّاس و ربّ النّاس بسخط الدّنيا و الآخرة؟!
بين أن يسلّم عليك شعبك حبًّا، و يلعن روحك صباحًا مساءً، و عندما تدير ظهرك. فرق كبير أيّها الحاكم.
Hv],yhk jJQlhl hgjlhl >>>!!