إذا أحببت الخير للناس جميعاً ، وتمنيت أن ترسم واقعاً جميلاً ، وتلونه بأحلى الألوان ، وتضمخه بأزكى أنواع العنبر والعود ، كل ذلك في سبيل تحقيق النفع العام للناس ، هذا لن يضيع عند الله تعالى ، حتى لو حالت بينك الظروف واكتفيت بالنية الحسنة ستؤجر على نيتك وكأنك فعلت ما أردت تماماً .
حب الخير للناس سيدفعك إلى اقتلاع جذور الأنانية من بين جوانحك وإحلال محلها حب الإيثار والعطاء ، وبذلك ستكون بأعمالك الخيّرة وعطاءاتك النيّرة بألف رجل ، أو ستكوني بألف امرأة .
انفع الناس ، ولا تعش في حدود ظلك ، ومحيط أسرتك ، وتنغلق على ذاتك ، وتحيط نفسك بسياج منيع ضد فعل الخير وكأنك حصلت على اكتفاء ذاتي من الحسنات .
على قدر استطاعتك ، وفي حدود طاقتك انفع غيرك بإسداء نصيحة ، أو تكفيف دمعة فقير بائس ، أو ارشاد غافل ، أو اغاثة ملهوف ، أو التخفيف عن مكروب ، أو اطعام جائع ، أو مساعدة محتاج ، أو اسعاف جريح ، أو انقاذ غريق ، أو أي عمل آخر تهديه لغيرك عنوان جميل وعرفان تستقيه من باب ( إنما المؤمنون إخوة ) .
إنك لتجد فئاماً من الناس لا يتعدى نفعه لغيره ، ولا تجاوز أعماله أنفاسه ، فهو يعيش لنفسه ، ويلتف حول نفسه ؛ لأنه حاصل على صِفر بجداره في التضحية .... صِفر في العطاء .... صِفر في الإيثار .... صفر في التعاون .... صفر في حب الخير للناس ، ولا تعجب إذا كان شعاره في هذه الحياة ترديد ذلك المثل الذي لا يحفظ غيره (( اتقِ شر من أحسنت إليه )) بمعنى لا تحسن إلى أحد ، ولا تنفع أحد ؛ لأن الشر سيأتيك من جراء احسانك ونكران الطرف الآخر لجميلك ، ولو طبقنا هذا المثل جميعنا لما عاد في الوجود من يعمل الخير ؛ لأن من يرجو ثناء الناس ، وانتظار شكرهم ، ليس كمن يرجو ثواب الله مخلصاً في عمله لله رب العالمين ، ثم إن الأمثال ليست شريعة اسلامية نحتكم إليها ، ولا هي من بقية مصادر التشريع الإسلامي ، المثل لا يتعدى كونه يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ .
إن أفضل الناس منزلة عند الله تعالى أنفعهم للناس ، وهذا يؤكد حرص الإسلام على التكافل ، والتآخي ، والتعاون ، وفي هذا السياق يجدر بنا أن نذكر تلك القصة التي لا، ولم ، ولن ننسَ أبداً ذلك الكفاح الذي سطره بطل تلك القصة وهو الشاب الباكستاني الذي خاض لجج الصعاب في خضم السيول التي حدثت في مدينة جدة ، حيث دفعه حبه لفعل الخير إلى إنقاذ أربعة عشر شخصاً أوشكوا على الغرق ، وهذا ليس بالأمر السهل في وسط سيول جارفة ، لكن التضحية ، وحب نفع الآخرين جعلت منه بطلاً مغواراً يسعى حتى آخر رمق في حياته إلى فعل الخير ، وها هو ينقذ آخرين من الغرق ليغرق هو في أعماق السيول بعد أن انهارت قواه ، مسطراً بذلك تاريخاً مشرقاً لن يطويه سجل الزمان على مدى الدهور والأيام .
دائماً وأبداً كن كالغيث المدرار لا يدرى أوله من آخره ، ولا تنتظر شكراً من أحد ، واجعل تلك الآية الكريمة : ( إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً ) سورة الكهف آية30 ، خير معين لك على فعل الخير ، ولا تنسَ أيضاً أن تتذكر دائماً قول المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) متفق عليه .
إذا استشعرت عظيم الثواب هانت عليك الصعاب ، وتذللت أمامك الطرق الموصلة إلى كل خير طالما كنت راجياً خير النوال من لدن رب رحيم .منقول
odhv hgkhs