الأعمال الفاضلة في شهر رمضان
شهر رمضان هو موسم المسابقة والمسارعة في الخيرات، ففيه تصفد الشياطين، وتفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وفيه ليلة القدر، العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر، كما صرح بذلك القرآن الكريم، إنه موسم يقبل العباد فيه على الله ويكثرون فيه من أنواع الطاعات والقربات، كيف لا وهذا هو هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم، يقول ابن القيم رحمه الله: كان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات، فكان جبريل عليه الصلاة والسلام يدارسه القرآن، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان يكثر فيه من الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف. هذا ولما كان هذا الشهر هو شهر العبادة والطاعة عامة، إلا أن هناك بعض العبادات والطاعات فيها مزيد من الأجر والثواب وقد ورد الشرع بها فمنها: السحور وتأخيره إلى ما قبل الفجر بقليل لا شك أن السحور يعين الصائم على مواصلة صيامه بجد ونشاط وحيوية، ويساعده على الاستفادة من صيامه في أعماله الدينية والدنيوية، ولذا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم حث عليه ورغب فيه، بل إنه جعل هذا الأمر هو الفيصل بين سحور أهل الكتاب وسحور المسلمين، ليس كذلك فقط بل إن الله جعل فيه من البركة شيئا لا يمكن أن يعوض في غيره، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تسحروا فإن في السحور بركة. رواه مسلم والبخاري وروى عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور. رواه مسلم هذا وإذا كان السحور بهذه المنزلة وبهذه المكانة وله الأثر العظيم على الصائم لذا استحب تأخيره قدر الإمكان فقد زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة، قيل: كم كان بينهما؟ قال قدر خمسين آية. متفق عليه. يعني كان بين نهاية السحور وصلاة الفجر قدر ما يقرأ القارئ خمسين آية. تعجيل الفطر وأن يكون قبل الصلاة الإسلام ليس دين التعنت والتشدد بل دين اليسر والسماحة، ومن أجل ذلك فإنه يستحب للصائم تعجيل الفطر بمجرد غروب الشمس، ولا يفعل كما يفعله بعض العوام من تأخير الفطور قليلا بحجة التأكد من دخول الليل، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الالتزام بذلك علامة من علامات الخيرية في الأمة، وهو الفارق بين صيامنا وصيام اليهود والنصارى، يقول عليه الصلاة والسلام: لا تزال أمتي على الفطرة، أو لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر رواه البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر، إن اليهود والنصارى يؤخرون. رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد وهو صحيح وصححه ابن خزيمة. ولا أدل على ما سبق مما رواه عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم، فلما غربت الشمس، قال لبعض القوم: يا فلان انزل فاجدح لنا، فقال: يا رسول الله لو أمسيت؟ قال: انزل فاجدح لنا. قال: إن عليك نهارا، قال: انزل فاجدح لنا. قال: فنزل فجدح لهم فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إذا رأيتم الليل من ههنا فقد أفطر الصائم، وأشار بيده قبل المشرق. متفق عليه٬ ومعنى قوله: اجدح لنا: أي اخلط السويق بالماء. وأما الفطر قبل الصلاة فلما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي..... رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن. الإفطار على الرطب فإن لم يكن فتمر فإن لم يكن فماء يستحب للصائم كذلك أن يفطر على رطب، فإذا لم يتيسر له ذلك ووجد تمرا أفطر عليه فإذا لم يجد أفطر على ماء، ثم أكل بعد ذلك ما شاء. فعن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور، رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث صحيح٬ وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء٬ رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن. وهذا الهدي النبوي له أثر في حفظ الصحة بينه الطب الحديث الآن٬ الذكر عند الفطر مما شرع واستحب فعله للصائم قراءة ما ورد من أذكار عن النبي صلى الله عليه وسلم عند فطره فقد روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله. رواه أبو داود والنسائي. وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أفطر يقول: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت. رواه أبو داود والبيهقي مرسلا أما إذا كان الإنسان قد أفطر عند قوم آخرين،فإنه يستحب له أن يقول مع الدعاء السابق أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة وذلك لما رواه أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة. رواه أبو داود الدعاء أثناء الصوم وعند الإفطار الدعاء من أهم الأسباب التي تجلب النفع للإنسان وتدفع عنه الضر بإذن الله جل وعلا، وكلما كان الدعاء أثناء العبادة كان ذلك أدعى للقبول، ولذا فإن من الأمور المستحبة والأعمال الفاضلة للصائم، الدعاء أثناء صيامه وعند فطره، فالصيام من مواطن الإجابة التي ورد النص بها، ولا عجب في ذلك فإن الصيام من أفضل العبادات كما هو معلوم٬ فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم٬.. رواه أحمد والترمذي وابن خزيمة وابن حبان٬ وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد٬ رواه ابن ماجة وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ثلاث لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم٬ أخرجه الترمذي وابن ماجة تفطير الصائم هل ترغب في أن تصوم رمضان مرتين بدون جهد ولا تعب، فتحصل بذلك على أجر شهرين، وما أعظم هذا الأجر، وإن أردت أن تزيد فلك ما شئت من الزيادة لا يستطيع أحد أن يمنعك من الزيادة٬ كل ما عليك هو أن تفطر صائما تحصل على أجر صيامه من غير أن ينقص ذلك من أجره شيئا، فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فطر صائما كان له مثل أجرهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئا٬ رواه ابن ماجة والنسائي والترمذي وقال في آخره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا٬ وقال حديث حسن صحيح واعلم أن تفطير الصائم لا يستلزم التكلف في ذلك بل حتى ولو كان التفطير على طعام يسير كان لك هذا الأجر فإن الصحابة لما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم بين عليه الصلاة والسلام أن الله يعطي هذا الأجر لمن فطر صائما على مذقة لبن أو شربة ماء٬ قراءة القرآن وتعلمه شهر رمضان شهر القرآن فيه نزل كما قال الله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان وإذا كان رمضان هو شهر القرآن، فحري بالصائم أن يكثر فيه من قراءة القرآن، خاصة وأنه قد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تبين فضل قراءة القرآن وما أعده الله لقارئ القرآن من الأجر والثواب، من ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران٬ وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو العقيق فيأتي بناقتين كوماوين، في غير إثم أو قطيعة رحم؟ قلنا يا رسول الله كلنا يحب ذلك٬ قال: أفلا يغدو إلى المسجد فيتعلم فيه أو يعي آيتين من كتاب الله خير من ناقيتن وثلاث خير من ثلاث وأربع خير من أربع ومن أعدادهن من الإبل رواه مسلم٬ وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف٬ رواه الترمذي والمتتبع لهدي النبي صلى الله عليه وسلم يجده أنه كان إذا دخل شهر رمضان أكثر فيه من تلاوة القرآن ومدارسته يوضح ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة الحديث رواه البخاري ومسلم وكان جبريل يعارضه القرآن في كل سنة مرة، فلما كان في هذه السنة التي توفي فيها عارضه القرآن مرتين٬ وقد استدل العلماء بهذا الحديث على استحباب قراءة القرآن في رمضان والإكثار منها خاصة في الليل، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل ويجتمع فيه الهم ويصفو القلب، فيعين على الخشوع والتدبر والفهم٬ صلاة التراويح وعدم الانصراف منها حتى ينصرف الإمام قيام الليل من أعظم الأسباب لدخول الجنة، والفوز بها في الآخرة لا أدل على ذلك مما رواه عبد الله بن سلام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح٬ والآيات والأحاديث التي تبين فضل قيام الليل كثيرة جدا٬ هذا وقد جعل الله عز وجل لصلاة الليل في رمضان مزية عن غيره، فإنه رتب على القيام فيه من الأجر والثواب ما لا يماثله أجر القيام في غيره من الأيام. وذلك لما رواه البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه هذا وإن مما ينبغي الحرص عليه وعدم التفريط فيه أن لا ينهي المصلي صلاة التراويح إلا مع الإمام، فإن في ذلك أجرا عظيما وثوابا جزيلا فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة كاملة فما أعظم هذا الأجر وهذا الثواب يقوم الإنسان ساعة أو نحوها مع الإمام في صلاة التراويح فيكتب الله له أجر قيام ليلة كاملة إذا هو لم ينصرف إلا بعد أن ينهي الإمام صلاته. الاعتكاف للرجال والنساء لما كان صلاح القلوب واستقامتها تكون بجمعها بالكلية على الله، وكان من أسباب ذلك ترك مخالطة الناس والانشغال بالدنيا، وفضول الأطعمة والأشربة وغيرها، شرع الله جل وعلا لعباده الاعتكاف، ليزدادوا قربا إلى الله جل وعلا وينشغلوا به وحده دون سواه، ويتركوا هموم الدنيا خلفهم، ويقبلوا على الله سبحانه بأنواع الطاعات والعبادات٬ وقد كان عليه الصلاة والسلام يعتكف العشر الأواخر في رمضان ويواظب على ذلك، حتى إنه لما تركه مرة اعتكف في شوال كما روى ذلك البخاري ومسلم وقد اعتكف مرة في أول الشهر ومرة في أوسطه ومرة في آخره، ليلتمس ليلة القدر، ثم استقر اعتكافه في العشر الأواخر حين تبين له أنها فيها،كما روى ذلك البخاري ومسلم. وكان إذا أراد الاعتكاف صلى الفجر ثم يدخل معتكفه، وكان يعتكف في كل سنة عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما، كما روى ذلك البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه٬ وثبت عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله، تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده٬ متفق عليه٬ عدم مجاراة السفيه الصيام عبادة شرعها الله جل وعلا لتهذيب النفوس وتطهيرها، كما ورد ذلك في قوله تعالى يا أيها الذي آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من مجاراة السفهاء في رمضان خاصة، ونهى عن السباب والمشاتمة، وأمر الصائم بالإعراض عن السفهاء، فقال عليه الصلاة والسلام: إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم٬ متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. العمرة في رمضان من الأعمال الفاضلة في رمضان، والتي ينبغي للصائم الحرص عليها وعدم التفريط فيها، العمرة في أي يوم منه، فإن فيها أجرا عظيما وثوابا جزيلا لا يمكن أن يتوفر في غيرها٬ وقد جاء فضل العمرة في رمضان في الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار ما منعك أن تحجين معنا؟ قالت: كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه (تعني زوجها وابنه) وترك ناضحا ننضح عليه، قال: فإذا كان رمضان اعتمري فيه، فإن عمرة في رمضان حجة وفي رواية لمسلم عمرة في رمضان تقضي حجة أو حجي معي فما أعظم هذا الأجر والثواب عمرة سريعة في رمضان يحصل المسلم بها على أجر حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم٬
منــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــقــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــول
hgHulhg hgthqgm td aiv vlqhk