بين الحين والآخر يدخل مجتمعنا في (موضات) استنكار وتذمر يصعب الوقوف أمامها أو قول شيء يخالفها .. فمن كان يستطيع مثلا الوقوف أمام حملة التحريض ضد المجتمع الدنمركي أو حملات المبالغة ضد شخصيات "البوكيمون" الكرتونية أو يطالب بالانترنت أو كاميرا الجوال أو قنوات البث الفضائي قبل عشر سنوات ...
مايحدث دائما أننا نختار قضية جزئية (وأحيانا صغيرة أو تافهة) فنضخمها ونكبرها حتى تصبح ككرة الثلج التي يصعب الوقوف أمامها . وحين نمل منها نتجاهلها وننساها ثم نختار غيرها ونعيد الكرة من جديد .. هذه التذبذبات الحادة بين "الاعتراض الصاخب" و "النسيان التام" دليل على تمتعنا بأمزجة عاطفية حادة وسهولة انقيادنا لدعوات "نفخ" تملك أجندات خاصة ..
- لو كانت لدينا فعلا مواقف محايدة لقاطعنا بضائع "إسلامية" توظف الأطفال وتستعبد الأرامل أسوة ببضائع إسرائيل والدنمرك!!
- لو كانت لدينا أولويات حقيقية لطالبنا بمقاطعة المعاملات البنكية الظالمة وليس الشخصيات الكرتونية التافهة !!
- لو كانت لدينا مبادئ ثابتة لما طالب البعض بمنع الدشات في الماضي ثم تنافسوا على اقتسام كعكتها الإعلامية في الحاضر!!؟
- لو كنا نخشى السينما فعلا لما أصبحنا أكبر مستهلكين للمسلسلات والأفلام العربية والأجنبية ، ولكن داخل البيوت وليس في صالات العرض المكشوفة !!
... أما انسياقنا العاطفي وغير العقلاني تجاه أي إساءة دينية تأتينا من الغرب أو الشرق فهو أمر غريب فعلا .. فحين نشر سلمان رشدي مثلا روايته آيات شيطانية عام 8891 أحدثنا حولها ضجة كبيرة نال بسببها جائزة ويتبيرد للإبداع الأدبي .. وفي حين لم يكن معروفا حتى في بريطانيا نفسها منحته المظاهرات التي عمت العالم الاسلامي ناهيك عن فتوى الخميني بإباحة دمه شهرة تحسده عليها مارجريت ثاتشر وملكة بريطانيا ( وهذا ما كان يطمح إليه بعد خمس روايات فاشلة ) !
وحين ظهرت مشكلة الرسومات الدنمركية غضبنا (ومعنا حق) ولكننا كررنا نفس الخطأ وركبنا موجة الكراهية وكلنا الاتهامات الجماعية لأمة كاملة ليس من مصلحتنا ولا مصلحة الدعوة للإسلام معاداتها بهذا الشكل .. وبعد استنفاد طاقتنا في هذا الموضوع ظهرت بعدها رسومات أخرى تتضمن نفس الإساءة في إيطاليا والنرويج والسويد ولكنها لم تثرنا أو تستفزنا مثل سابقاتها ... (لماذا ياترى)!؟
... وهذه الأيام أستشف محاولات تأجيج للعواطف ضد قنوات إسرائيلية وأوربية بتهمة الإساءة إلى اسم وشخصية النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم .. ومثل هذه الحالات إن صحت تقتضي تجاهلها وعدم الانجراف خلفها بطريقة تكسبها المزيد من الشهرة والتوسع .. وموقفنا تجاهها يجب أن نستمده من قوله تعالى {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} .. فالإعراض عن اللغو يشمل تجاهله ، وعدم المشاركة فيه ، أو حتى الرد عليه .. وهو من صفات المؤمنين والعقلاء من أهل الكتاب كما جاء في معظم التفاسير .. وحين نفعل ذلك نقتل مثل هذه الإساءات في مهدها ولا نكسب أصحابها شهرة وبريقا لا يستحقونهما !
ما أتمناه بالفعل وباختصار شديد هو تبني ثلاثة مواقف مهمة :
- الأول التمهل في إصدار الأحكام وعدم التعامل بردود الفعل ..
- والثاني عدم التهويل والمبالغة في التعامل مع المستجدات والتقنيات الحديثة.
- والثالث الإعراض عن اللغو بشكل كامل وعدم تأجيج المواقف أو استغلال عواطف الناس النبيلة.
والله من وراء القصد
gh ju'd hghl,v h;fv lk p[lih