لعلك أخي القارئ تظن أنني أنفي صفة العلم عن الأخ
ناصر العمر وغيره ، غير أن هذا ليس مفهوما من كلامي وإنما هو كما كان واضحا في تقديم الأخ ناصر العمر وغيره من قيادات الصحوة لأنفسهم على أنهم قادة سياسيين قبل أن يكونوا علماء وهذا لا يرون فيه عيبا فإنهم قالوه بألسنتهم وبذلوا له من أفكارهم وسخروا طاقاتهم لحظة نشأة تنظيم الإخوان في السعودية و قد كان هذا واضحا جدا من خلال أشرطتهم وأنشطتهم داخل الجامعات التي تتبلور فيها فكرة إمداد التنظيم بالدماء الجديدة ولعلك بمرور كريم على مذكرة الأخ غازي القصيبي رحمه الله وجميع المسلمين تفهم صرامة التنظيم السياسي الناشئ وحماسته المنقطعة النظير في قيادة الرأي العام بما يشبه كثيرا تحول عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه عن سلطان خليفة المسلمين الأموي
وريثما أعود إلى تفنيد استدلال الأخ ناصر العمر المُجحف في حق إخوانه المسلمين أقول :
لاحظ أخي القارئ أن الأخ ناصر العمر وجميع القيادات الحزبية التي تستغل شعبيتها في فرض إرادتها على الرأي العام يقتفي أثر الخارجين على دائرة النص الضيقة التي تتعلق بتفسير القرآن الكريم وحيث أن السلف كان حريصا على التقليل من الأخذ بالآيات بعيدا عن المراد بها من غير تأويل أو تعسف في فهمها وتبيين المراد منها حتى أن أعلم الناس بالقرآن بعد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه قال ( أي أرض تقلني وأي سماء تقلني إذا قلت في كتاب الله تعالى ما لا أعلم ) .
ولقد كان السلف حذرا في التعاطي مع النص الشريف بخلاف الأزمان المتأخرة التي صار في حكم العادة الزحف بالآيات على أي معنى يشتهي القائل أو يبتغي بل والأقبح من ذلك تسخيرها في قول منفرد شاذ لم يُسبق إليه ولعل أوضح مثال تفسير عايض القرني للقرآن وفي نظري أن هذا جُرأة منه على كتاب الله تعالى وفي العالم الإسلامي من يمتلء ويفيض علما بكتاب الله تعالى ولم يتجرد لما تجرد له القرني لكنني أعود فأقول إن هذه هي عادة القادة الحزبين في الرغبة بالإنفراد في فهم النص القرآني .
إنني أعتقد أن أهم التنظيمات التي نشأت في العصر الحاضر تشترك في هذا الوجه وهو أنها تعتدي على الآيات الشريفة والنص النبوي لتجعلها مثابا ومآبا ً في الانتقاص من شخص أو تكفيره أو اتهامه أو مُتكأ لدعم القضية والهدف .
وكلا التنظيمين وأعني بهما :
1 – تنظيم الإخوان المسلمون والذي يتزعمه قادة الصحوة ( ناصر العمر وسفر الحوالي وعايض القرني وسلمان العوده ) .
2 – وتنظيم القاعدة ( أسامه بن لادن ) .
تشتركان في الجناية على الأمة المسلمة بتقعيد التخلف الحضاري فيها والرجوع بها إلى أزمان متأخرة لا تتفق مع أهم ما يدعو الإسلام إليه وهو أن يكون المسلم ابن عصره وليد لحظته يُسخـِّر ما رزقه الله من النعم في سبيل تطوره ورقيه على الوجه الأكمل .
ويشترك قادة الصحوة مع القاعدة في ترتيب التنظيم وتأسيسه على الوجه الذي يساهم في بقاء أفراده لمدة أطول وهذا يُعرف بالتنظيم العنقودي الذي يعني بناء تكتلات وأفراد ومجموعات منفصلة تعمل كلها في ذات التوجه وتغرس القناعة من خلال منظريها فحسب وتحجب عن أتباعها أي مداخلات فكرية أو تنشئة تتبنى الوجه الآخر للجماعة .
قد كان تنظيم الإخوان إلى وقت قريب يقصر الأتباع على مدارسة مفردات معينة من كتيبات سيد قطب واعتماد كتابه الأدبي ظلال القرآن كمرجع رئيسي بعد تفسير ابن كثير في التفسير ولقد رأيت من خلال تجربتي أن تنظيم الإخوان شديد اللهجة فيما يتعلق بالورود على حياض أي عالم من علماء الأمة المعتبرين لا يتفق مع فكر الجماعة ولا يتبنى توجهها في الفكر والسلوك .
لقد اشترك قادة الصحوة الذين هم قادة الإخوان في السعودية مع تنظيم القاعدة ( كخلاصة ) في التالي :
1 – إنشاء تنظيمات فكرية عنقودية مستقلة بذاتها تتبنى المفهوم .
2 – اتهام المخالف بأنه مخالف في الأصل للكتاب والسنة ولأجل هذا فكلا الطرفين هيأ الأتباع لاستقبال فكرة عصمة القادة وأن أي رأي يتبناه القادة مُلزم صحيح بجملته وتفصيله .
3 – تحييد الزمرة الباقية من كوكبة العلماء المسلمين في كل الدنيا وزرع الشك في قلوب الأتباع تجاه أي عالم أو مفكر مسلم لا ينتمي إلى طائفة .
4 – اتهام الحاكم على الدوام بأنه أس البلاء ورأس الدواء وكلا التنظيمين يشتركان في ضرورة إزالة الحاكم ليتبوأ أحد القادة مكانه .
5 – الغدر هو المسمى المشترك بين التنظيمين فكلاهما يستغل غفلة الحاكم وفي بعض الأوقات سذاجته .
6 – إغلاق باب الاجتهاد والذي معناه أن على الأمة أجمع أن تنتمي إلى أحد التنظيمين ومن ثم لا تجوز المخالفة أو التفرد برأي أو العدول عن القول إلى قول أحد كائنا من كان .
7 – سوء الظن والطوية في مقابل كل من خالفهما أو ناهضهما أو تعرض لأقوالهم بالمناقشة والطرح .
8 – كلاهما يرى ضرورة القوة العسكرية لتحقيق المآرب والأهداف فالقاعدة تعتبر ذلك أول واجباتها والإخوان يرون فيه جناح مقابل لجناحهم الفكري السياسي غير أنهم فشلوا في إخراج فكرته والقيام بهيكلته بعد فشل سيد قطب الذريع في ذلك والتي تعتبر المحاولة الوحيدة لجماعة الإخوان .
تنظيم الإخوان المسلمين في السعودية كان يربو ويشتهي لو أن قوة القاعدة العسكرية انضوت تحت لوائها وسلمت بمنهجيتها في مقاومة الحاكم و في سبيل استهدافه و تغييره غير أنها رجعت خائبة واستغلتها كما أسلفت في مقال سابق إلى التسلق بها مكانا لم تصل إليه من قبل .
9 – كلاهما وأظن أن ذلك من أشد الغباء الذي رأيته وقابلته في حياتي لم يطرح أي مشروع في حال تحقق أي من الأهداف التي يصبو إليها والمعنى إسقاط إدارة البلد سياسيا وترك الجزيرة نهبا لمن هب ودب .
10 – كلاهما احتضن أعظم زلتين لا يُمكن أن تـُغتفر وهي :
أن القاعدة فارغة شرعيا ضعيفة علميا محدودة النظر قاصرة الطرف يقودها الرعناء والسفهاء وتتحكم فيها عواطف قادتها وزعمائها .
وأما تنظيم الإخوان المسلمون فغفل عن السنة الكونية واستبد بالفهم والتفسير ونزعها الله تعالى بقدرته من بين يديه وجعلها في متناول الناس أجمعين فلم يعد التقليد هو المذهب السائد في جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم وأعتقد أن الفترة التي كان الناس يتبعون فيها كل ناعق قد ذهبت إلى غير رجعه .
11 – كلاهما يفرض البيعة على أتباعه باعتبار أن بيعة الإمام غير مُعتبرة فأما القاعدة فتأخذها من الجميع على كافة مستوياتهم في التنظيم وأما الإخوان أو قادة الصحوة فإنها لا تــُؤخذ إلا ّ لمن ثبت ولائه وصدق في اجتهاده لتحقيق مآرب الجماعة ولعل هذا لا يعلمه كثيرٌ مِن الخلق غير أن ذلك حقيقة كنتُ شاهدا ً عليها حاضراً دقيقتها .
12 – كلا التنظيمين حشد الأتباع من صغار السن والناشئة الذين في الغالب ليس لديهم القدرة العلمية والنفسية في مناقشة ما يسمعون فيتشربون الأفكار قبل محاولة فهمها أو غربلتها .
.... يتبع حتى يستبين ..
إن هذه البيانات تساهم بشكل رئيسي في مزيد من الاحتقان السياسي بين الناس وولاة أمورهم وتساهم كذلك في تعقيد الحياة والمعيشة لعموم الخلق في الوقت الذي يفوز فيه صاحب البيان بالوجاهة ويتكبد الناس خسارة مناصرتهم لهذا الرمز أو ذاك ويظل البلد منقسما على نفسه وكلا الفريقين يتربص بالآخر الدوائر ، وهذا والله نقيض القواعد الفقهية العظيمة التي حثت المسلمين على درء المفاسد العظيمة واجتلاب المصالح مهما صغرت أو كانت بعيدة المنال أو في طي السراب .
لقد استفاد الأخ سلمان العودة من سجنه وخرج منه وهو يعلم الهدف من دعوته ويعلم السبيل إلى التغيير السوي كيف يكون ، وساهمت أعماله المتينة في دفع هذا الشعور عنده ، وعند من حوله وأضفى على المجتمع المسلم داخل الجزيرة تنوعا جديدا عميقا متينا ، وتولى زمام مشروع يستحق الإشادة ، والذي أراه والعلم عند الله تعالى أن هذا هو سنة وسبيل المحسنين وطريقهم القويم الذي يجمع ولا يفرق ولا يشق عصا من طاعة .
وأما أخينا ناصر فلعله لا زال على مذهبه القديم أو كما يُقال ( شرعية إنكار المنكر العلني ) ، و ( استبدال الحاكم والمحكوم ) ، أو يظن انه سيد قطب آخر يمشي على وجه الأرض ، إن المقدمة التي قدم بها أخونا ناصر العمر تدل على تأصل النزعة في مقاومة الحاكم أيا كان ولو كان لم يصل إلى درجة الكفر البواح ، وقد افترى افتراءَ عظيما حين حشر
خالد الفيصل مع القرامطة وجهيمان مع أن هذا قياس وتشبيه ووضع للأمور في غير نصابها الصحيح السوي وعجلة أراها من الشيطان .
إن التسرع في إطلاق البيانات يدل على حب الظهور بمظهر الرمز الذي لا يستغني عنه الناس في كل ( حبة ) حتى يأخذ بأيديهم إلى ما يظن أنه الحق وحده ، والصائب وحده ، وعند ذلك يُفهم أن الحاجة إلى إمام يقود الناس ليست مطلبا ملحا ، ولا حاجة لهم قائمة ، طالما بين أيدينا من يمتلك القدرة على الخروج ببيان عند كل قرار سياسي يتخذه ولاة أمور المسلمين .
وليس من منهج السلف ولا من منهج أتباعهم بإحسان معارضة القرار السياسي بإصدار خطاب يُنشر على عموم الناس ويقرأه الجميع وكل ٌ يفهمه بفهمه الخاص ، فإن المفاسد المترتبة على هذا عظيمة حيث أن الغالب من الخلق من الذين ينقصهم العلم بالصالح العام يظن أن ولي الأمر هذا أو ذاك قد التصق به الكفر أو ما يؤدي إليه وعند ذلك تتقد شرارة الفتنة ( وقد حصل ) .
قد يظن أخي ناصر وغيره من الذين ينتهجون هذا الأسلوب الذي تخلى عنه سفر الحوالي والعودة أنه بذلك يقول كلمة الحق أمام السلطان الجائر ونسي أخي ناصر أن كلمة الحق تـُقال بين يدي السلطان وفي وجهه وبحضرته حتى ينال بها شهادة لو أن السلطان ضاق بكلامه فأمر بحصد رقبته ، لأن نص الحديث يقول ( فقتله ) فهذا يدل على قربه الشديد منه .
وذلك أن ديننا النصيحة وأن أحق الناس بكمال النصيحة وطريقتها ووجهها هم ولاة الأمور لأن في ذلك صلاح الدولة ورُقيها وأسمى ما تكون النصيحة في السر دون الجهر بكلام لين لعل صاحب القرار يتذكر أو يخشى ، وهل فرعون أحق بهذا اللطف من خالد الفيصل ؟!!!
إن السمة التي ظهر بها أصحاب البيانات المبلولة الخالية من أي معنى من معاني العقل الراجح ، لا تمت إلى السنة وطريقة السلف الصالح في نصح ولاة الأمور بصلة وأنها أقرب ما تكون إلى طريقة القرن العشرين في مخاطبة الناس بعضهم لبعض عند اختلاف طبقاتهم .
لقد جعل أخي ناصر في مطلع بيانه قوسين وحشر بينهما ألفاظا تدل على أن بيانه مبلول ٌ سقيم ذلك انه يعلم جيدا أنه لم يسبقه أحد في القول الذي ذهب إليه في إسقاط الآيات الشريفة على أخيه خالد الفيصل وأما ما بداخل القوسين فقوله ( وأنا اقصد الحقيقة والمآل لا شكل القرار ) لأنه يعلم تماما أن القرار لا ينطبق عليه المعنى اللغوي للمنع ولا المعنى المعنوي ، وإنما كما يزعم ( الحقيقة والمآل ) ..!!!
أي حقيقة ومآل أخي ناصر العمر ، ألا يكفي تخرص وذهاب بالظنون حتى تعود إلى فتل الحبل من جديد على العادة القديمة ، وما أدراك أنت بالمآل فلعل الأمر يؤول إلى خير وتذهب الظنون إلى محلها وكثير ٌ كثيرٌ من الظن إثم .
وأزعم أن هذه اللفظة التي حشرها الأخ ناصر العمر بين قوسيه هي التي تهدم بيانه وتقضي على ما فيه من السرد الممل على طريقة ( القصاصين ) .
وسؤال ٌ آخر بل أسئلة :
هل بانت الحجة التي تدعيها للرجل حتى تسبقه بهذه الأحكام ؟
هل له أو عنده شبهة قادته إلى هذا القول ؟
هل يترتب على هذا القول حقا تحقيق لمعنى المنع عن المساجد بأن يُذكر فيها اسمه ؟
ما تفسير الآيات التي استدل بها ناصر وهل لها موضع حقيقي ينطبق على قرار خالد الفيصل ؟
هل سبق أحد من المفسرين ناصر العمر في إطباق معنى الآية على ولاة أمور المسلمين خاصة أن هناك من بغى على المساجد ومنعها بالمعنى اللغوي الحقيقي ومثال ذلك هدم الحجاج بن يوسف جزء من الكعبة في ثورة عبد الله ابن الزبير ولم يذكر أحد من المفسرين في تفسيره بأن الحجاج منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه خاصة وأن لفظ ( مساجد ) عند بعض المفسرين المقصود منه المسجد الحرام وأن لفظة مساجد للتعظيم ؟
هل يستلزم القرار الخروج على الرجل وعلى ولايته وما المفاسد المترتبة لو حصل ذلك ؟
أليس أحق البلاد بالأمن ودفع مفاسد الخلاف والشقاق السياسي بلاد الحجاز التي تضم أشرف البقاع والتي يمنع زعزعة الاستقرار السياسي فيها جميع المسلمين من أداء المناسك الواجبة مرة في العمر ؟
هل من حق أخونا ناصر أن يدعي الإجماع وهل حصل هذا الإجماع له من كل العلماء والعقلاء كما يزعم في جلسة واحدة وخفي هذا على جميع الناس ؟
إن بيان الأخ ناصر مبتوت ٌ مقطوع فما الفائدة المرجوة منه في حال تحققت المفسدة المتوقعة جزما في مواجهة القرارات المنقضية بأمر ملكي شاء أم أبى ؟
هل هذا القرار يعني تكفير الرجل أو اتهامه في دينه ؟
القرار كان كما يظهر منه وبحضور ممثل جمعية التحفيظ قرار تنظيمي المقصود منه سعودة الحلقات مثل سعودة المساجد بالأئمة والمؤذنين فما الفرق بينهما إذا ؟
ولقد كنت أحد المعلمين الذين اتصلت بهم إدارة التربية والتعليم بجدة بخصوص التدريس في الحلقات بعد صلاة المغرب .
هل لناصر العمر فيمن سلف من علماء السلف من سبقه إلى هذا الفهم ؟ جزما ً لا ... وسأتعرض إلى تفصيله فيما بعد ..
منقوللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللل
v]hW ugn khwv hgulv td ji[li hghldv ohg]