عقيدة أهل السنة في
استواء الله على عرشه
إنَّ الحَمْدَ لله ، نَحْمَدُه ونستعينُه ونستغفرُهُ ، ونعوذُ بالله مِن شُرُورِ أنفُسِنَا وَسيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ ، ومن يُضْلِلْ فَلا هَادِي لَهُ . وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وأشهدُ أنَّ نبينا مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ، وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ، وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَّاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ، وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) .أَمَّا بَعْدُ:
فإن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي ، هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة في ضلالة .
وبعد أَيُّهَا النَّاسُ : فأُوصِيكُمْ وَنَفْسي بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، فاتقوا الله حق التقوى ، وراقبوه في السر والنجوى، واستعدوا قبل الموت لما بعد الموت، وتزودوا بالأعمال الصالحة قبل أن يُحَالَ بينكم وبين فعلها والقيام بها، واحرصوا يا عباد الله على التفقه في دينكم , ومعرفة هدي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العبادة , كي تؤدوها على أكمل وجه , لأن من شروط قبول العمل : الإخلاص لله تعالى ، وموافقة هدي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
معاشر المؤمنين : إن عقيدة أهل السنة والجماعة، هي عقيدة الطائفة المنصورة الباقية، كما أخبر بذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث قال : (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة) . خرجه الإمام مسلم في الصحيح .
وهي الفرقة الناجية التي قال عنها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً ، قِيلَ : مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي ). رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ، وصححه ابن حبان والحاكم .
فعلامتهم كما أخبر النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أنهم يكونون على ما كان عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه .
فعقيدتهم مأخوذة من كتاب ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام ، يرضون ويسلمون بما جاء فيهما . قال الإمام الشافعي غفر الله له : آمنت بما جاء عن الله تعالى ، وبما جاء عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مراد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وقال الإمام أحمد غفر الله له : أصول السنة عندنا ، التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، والاقتداء بهم ، وترك البدع ، وكل بدعة فهي ضلالة ، وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء ، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين . انتهى كلامه .
ومما يعتقده أهل السنة :
الإيمان بأسماء الله وصفاته ، يؤمنون بما وردت به النصوص إثباتا ونفيا ، فيثبتون لله عز وجل أسماءه الحسنى وصفاته العلا مما جاء في الكتاب والسنة ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ، بل يؤمنون بأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وقاعدتهم في ذلك ، ما نقل عن الإمام مالك غفر الله له ، أنه سأله رجل فقال :
الرحمن على العرش استواء . كيف استواء ، فتغير وجه الإمام مالك وقال : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وما أراك إلا مبتدعا ، ثم أمر بإخراجه من مجلسه .
فأهل السنة يقرون بصفات ربنا جل جلاله ، لكنهم لا يعلمون كيفيتها ، ويقولون بقول الإمام مالك في الصفات كلها . فنزول الرب في الثلث الأخير معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عن كيفية ذلك بدعة ، وهكذا في بقية الصفات .
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم : هذه وقفات حول الإيمان بعرش ربنا جل جلاله ، وبيان عظمته :
إن استواء الرب على العرش مما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام ، كما قال ابن القيم غفر الله له : عرش الرب الذي هو سرير ملكه ، الذي اتفقت عليه الرسل ، وأقرت به الأمم ، إلا من نابذ الرسل . وقال الحافظ ابن كثير : هو سرير ذو قوائم تحمله الملائكة ، وهو كالقبة على العالم ، وهو سقف المخلوقات . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في العرش ، إنه أعلى المخلوقات وسقفها . وعلم مما تقدم ، إثبات صفة العلو للواحد القهار جل جلاله ، وضلال من يزعمون أنه حالّ في كل مكان ، بل أهل السنة يؤمنون بأن الله جل وعلا فوق السماء ، على العرش استواء ، كما قال ربنا جل وعلا : يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ . وكما قال عز وجل : إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ . وكما قال سبحانه وتعالى : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى . وكما قال عز وجل : تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ . وكما قال عز وجل : يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ .
ولم ينكر ذلك إلا المعاندون المكابرون، كفرعون القائل : وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا . قال الله عز وجل : وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ . أما الأدلة القرآنية على إثبات عرش الرحمن ، فقد ورد ذلك في واحد وعشرين موضعا من كتاب الله عز وجل ، وهذا يدل على عظمة هذا الأمر ، وهي على النحو التالي : قوله تعالى في سورة الأعراف : إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ . وقوله سبحانه وتعالى في سورة التوبة : فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ . وقوله جل وعلا في سورة يونس : إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ . وقوله في سورة هود : وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً . وقوله في سورة الرعد : اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى . وقوله في سورة الإسراء : قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً . وقوله في سورة طه : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى . وقوله في سورة الأنبياء : لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ . وقوله في سورة المؤمنون : قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ . وقوله أيضا في السورة نفسها : فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ . وقوله في سورة الفرقان : الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا . وقوله في سورة النمل : اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ . وقوله في سورة السجدة : اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ . وقوله في سورة الزمر : وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وقوله في سورة غافر : الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ . وقوله في السورة نفسها : رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ . وقوله في سورة الزخرف : سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ . وقوله في سورة الحديد : هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا . وقوله في سورة الحاقة : وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ . وقوله في سورة التكوير : ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ . وقوله في سورة البروج : ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ .
فهذه إحدى وعشرون آية في إثبات عرش الرحمن جل جلاله وتقدست أسمائه ، وهذا دال على عظمته .
فاللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام . اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل . أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
l,q,u: hujrh] Hig hgYdlhk td hsj,hx hgvplk (hgo'fm hgH,gn)