ظاهرة التطاول على العلماء
الأسباب – العلاج
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدً عبده ورسوله r.
أما بعد ...
فإنه من الواجب على المسلم أن يذبَّ عن إخوانه المسلمين ، وأن يدافع عنهم ، وأن ينصرهم ، والمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ، كما قال نبينا محمد r.
فإن تحريم النَيل من عرض المسلم أصل شرعي متين ، عُلم بالضرورة من دين الإسلام و"حفظ العرض" أحد الضروريات الخمس التي شرعت من أجلها الشرائع.
لقد خطب رسول الله r على مسمع يزيد عن مائة ألف نفس من صحابته الأبرار في حجة الوداع ، فقال: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا هل بلغت؟" ().
وعن أبي هريرة – t – قال رسول الله r: "كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه" ().
ونظر عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – يوماً إلى الكعبة ، فقال: "ما أعظمك وأعظم حرمتك ؟ والمؤمن أعظم حرمة منك" ().
وعن جابر – t – قال رسول الله r: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" ().
وعن سهل بن سعد الساعدي – t – قال رسول الله r: "من يضمن لي ما بين لحييه ، وما بين رجليه أضمن له الجنة" ()
اللحيان هما: العظمان في جانبي الفم ، والمراد بما بينهما : اللسان ، وما يتأتى به النطق ، والمراد بما بين الرجلين : الفرج .
وإذا كان الكلام في أعراض المسلمين من كبائر الذنوب ، فإن الكلام في أعراض العلماء والدعاة الصادقين وأكل لحومهم من أعظم كبائر الذنوب .
ورحم ابن عساكر حين قال :
(اعلم يا أخي ، وفقنا الله وإياك لمرضاته ، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته ، أن لحوم العلماء مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ، وأنَّ من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ، بلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب) .
ثم إننا في زمن كثُر فيه المتربصون بالدعوة لدحضها ودحض أصحابها ، لكن "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الأنفال:30) ، ودعاتُنا وعلماؤنا ينبغي مؤازرتهم ، ومعاونتهم ، والوقوف إلى جوارهم ، والأخذ بأيديهم ، ورفع معنوياتهم للاستمرار في دعوتهم المباركة بقوةٍ وتصدٍّ لجميع التيارات المضادة لها من هنا وهناك ، حتى وإن جانب هؤلاء العلماء والدعاة الصواب في مسألة ، أو مسألتين ، أو ثلاث ، أو أربع:
فمن ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط
والعصمة لرسول الله r ، لقد نبتت نابتة سوء على الأمة فانتقصت العلماء والدعاة وجعلت الطعن فيهم أكلة شهية إن زلَّ العالم أو الداعي في مسألة أو مسألتين شنَّعوا عليه ، وبكّتوه ، واختلقوا له التهم ، مع أنه لو أُسقط كل عالمٍ بزلةٍ ما بقى على ظهر الأرض من عالم .
ولقد ضاع – مع ذلك – الإسلوب النبوي – عند هؤلاء – في النصيحة ، مع أن العالم لو ذُكِّر لتذكر ، وقد تراه متأوِّلاًً – وهذا يقع كثيراً – لا عن هوى أو عصبية ، فطالما أن العالم أو الداعية ينصاع للكتاب والسنة ولما عليه سلفنا الصالح ويرجع إذا أخطأ أو زل ، فلِمَ نقومُ عليه قومة رجلٍ واحدٍ لإسقاطه ونسفه ؟ أليس هذا من الظلم والإجحافِ وعدم العدل والإنصاف ؟!
إن المُسيء إلى العلماء ، والطاعن عليهم بغياً وعدْواً قد ركب متن الشطط ، ووقع في أقبح الغلط ،لأن حرمة العلماء مضاعفة ، وحقوقهم متعددة ، فلهم كل ما ثبت من حقوق المسلم على أخيه المسلم ، ولهم حقوق المسنين والأكابر ، ولهم حقوق حملة القرآن الكريم ، ولهم حقوق العلماء العاملين ، والأولياء الصالحين .
إن الميدان الدعوي اليوم يموج بحالة من الخلل الناشئ عن "التضخم الكمِّي" الذي فرض نفسه على حساب "التربية النوعية"() ، الأمر الذي أفرز كثيراً من الظواهر المرضية من أخطرها تطاول الصغار على الكبار ، والجُهال على العلماء ، وطلبة العلم بعضهم على بعض ، حتى إن الواحد منهم ينسى قاموس التآخي ، وما أسرع ما يخرج إلى العدوان على إخوانه ، ويجردهم من كل فضل ، فلا يحلم ولا يعفو ولا يصبر ، ولكن يجهل فوق جهل الجاهلين ، بل إن من طلاب "آخر الزمان" من غاص في أوحال السب والشتم والتجريح ، وانتدب نفسه للوقعية في أئمةٍ كرامٍ اتفقت الأمة على إمامتهم ، وهو لا يدري أنما ذلكم الشيطان يستدرجه إلى وحل العدوان ، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً ، ويتوهم أنه يؤدي ما قد وجب عليه شرعاً.
فرحم الله من جعل عقله على لسانه رقيباً ، وعمله على قوله حسيباً.
والعجيب أن الذين يتكلمون ويخوضون في هذه المسائل إنما يخوضون بجهل ، فهم يهرفون بما لا يعرفون.
ورأيت كثيراً من هؤلاء ضربوا القواعد والأصول فلم يحققوا أغلب هذه القواعد كما طبقها السلف الصالح ، فأفرطوا وفرَّطوا.
لم يراعوا المصالح والمفاسد.
لم يراعوا فيها التخصيص والعموم .
تسرعوا في رمي الآخرين بالبدعة والتفسيق والتكفير .
لم يحققوا شروط الحكم على الآخرين من توفر شروط وانتفاء موانع.
وقعوا في الغلو والإفراط في مسائل الجرح والتعديل .
أهدروا حسنات المخالف ، مخالفين قول الله : "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" (المائدة: 8) ، وقوله r: "لا تلعنوه إنه ما علمت يحبُّ الله ورسوله" () .
أهملوا التعاون مع المخالف على البر والتقوى بالضوابط ومراعاة المصالح الشرعية () وهكذا تتوالى تناقضات القوم ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ....
ونسي هؤلاء أو تناسوا فضل العلماء ومكانتهم :
قال تعالى: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" (الزمر: 9) ، ويقول سبحانه: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ" (فاطر : 28) ، ويقول جل وعلا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" (النساء: 59) "وَأُولِي الْأَمْرِ" كما يقول أهل العلم : هم العلماء . وقال بعض المفسرين : وَأُولو الْأَمْرِ: الأمراء والعلماء .
ويقول الله – عزوجل – "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" (المجادلة: 11).
روى البخاري عن النبي r أنه قال: " من يرد الله به خيرا يفقه في الدين" () . قال ابن المنير – كما يذكر ابن حجر: "من لم يفقه الله في الدين فلم يرد به خيراً" .
وروى أبو الدرداء عن النبي r أنه قال: "فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ليلة البدر . العلماء ورثة الأنبياء . إن الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به ، فقد أخذ بحظ () وافر" .
ومن عقيدة أهل السنة والجماعة – كما يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي – رحمه الله – "أنهم يدينون الله باحترام العلماء الهداة" ، أي أن أهل السنة والجماعة يتقربون إلى الله – تعالى – بتوقير العلماء وتعظيم حرمتهم ،
قال الحسن : كانوا يقولون : موت العالم ثُلْمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار.
وقال الأوزاعي: الناس عندنا أهل العلم . ومن سواهم فلا شيء .
وقال سفيان الثوري: لو أن فقيهاً على رأس جبل ، لكان هو الجماعة .
وحول هذه المعاني يقول الشاعر:
الناس من جهة التمثال أكفاء أبوهم أدم والأم حواء
فإن يكن لهم في أصلهم نسب يفاخرون به فالطين والماء
ماالفضل إلا لأهل العلم إنهمُ على الهدى لمن استهدى أدلاءُ
وقَدْرُ كلَّ أمرءٍ ما كان يُحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء
من هذه النصوص الكريمة ، ثم من هذه الأقوال المحفوظة ، تتبين لنا المكانة العظيمة والدرجة العالية ، التي يتمتع بها علماء الأمة ، ومن هنا وجب أن يوفيهم الناس حقَّهم من التعظيم والتقدير ، والإجلال وحفظ الحرمات ، قال الله تعالى: "وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ" (الحج: 30) . ويقول جل وعلا : "وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ" (الحج : 32) . والشعيرة كما قال العلماء : كل ما أذن الله وأشعَرَ بفضله وتعظيمه ، والعلماء – بلا ريب – يدخلون دخولا أولياُ فيما أذن الله وأشعر بفضله وتعظيمه ، بدلالة النصوص الكريمة النصوص الكريمة السالفة الإيراد .
إذاً فالنيل من العلماء وإيذاؤهم يُعَدُّ إعراضاً أو تقصيراً في تعظيم شعيرة من شعائر الله ، وما أبلغ قول بعض العلماء: (أعراض العلماء على حفرة من حفر جهنم). وإن مما يدل على خطورة إيذاء مصابيح الأمة (العلماء) ، ما رواه البخاري عن أبي هريرة – t – قال: قال رسول الله r: "قال الله عزوجل في الحديث القدسي: " من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب" . رواه البخاري .
أخي القارئ الكريم ... كلنا يدرك أن من أكل الربا فقد آذنه الله بالحرب ، إن لم ينته ويتب عن ذلك الجرم العظيم ، كلنا يدرك هذا ، ولكن هل نحن ندرك – أيضاً أن من آذى أولياء الله فقد حارب الله – جل وعلا – كما يتبين من الحديث السابق ؟ هل نحن نستحضر هذا الوعيد الشديد ، عندما نهم بالحديث في عالم من العلماء ؟!
روى الخطيب البغدادي عن أبي حنيفة والشافعي – رحمهما الله – أنهما قالا: "إن لم يكون الفقهاء أولياء الله ، فليس لله ولي " . قال الشافعي: "الفقهاء العاملون" أي أن المراد : هم العلماء العاملون
نتظر اثرائكم للموضوع 000
/hivm hgj'h,g ugn hguglhx