هناك ثلاثة أشكال أساسية يصاغ عليها
الشعر العربي في العصر الحديث وهي :
الشعر العمودي ( الموزون ) وشعر التفعيلة وشعر النثر أو ما يسمى بقصيدة النثر .
ولأنني أؤمن كثيرا ودائما بأن التجديد في الشعر ولاسيما في مجال الموسيقى لم ولن يكون
حقيقيا و مستساغا إلا إذا بني على أسس متينة .. وفهم لطبيعة الشعر العربي القديم
وأشكاله التجديدية .. إذ لا يمكن أن نجدد فيما لا نعرفه أصلا ..
فعندما فـُـهمت طبيعة الشعر العمودي وموسيقاه ولد شعر الموشحات
وعندما فهمت طبيعة العمودي والموشحات وُلد شعر التفعيلة وعندما نفهم
الأشكال السابقة سنكتب قصائد نثرية حقيقية صافية تخلد بخلود الشعر ..
وليس بالضرورة أن ننظم على كل شكل تقليدي.. ولكن لابد وأن نفهمه ..
:
وفي هذا الموضوع سنلقي الضوء على الشعر العمودي التقليدي وشكله الجديد أو ما يسمى
بشعر التفعيلة ..
:
و لبيان الفرق بين الشعر العمودي وشعر التفعيلة ,
لابد من التفريق أولا بين أمرين هامين هما :
الإيقاع والوزن .
فالإيقاع هو وحدة النغمة التي تتكرر في الكلام على نحو ما ..
أو بمعنى آخر هو توالي الحركات والسكنات بشكل منتظم في فقرتين أو أكثر من فقرات الكلام
مثل : ( مَنْ عَاْشَ مَاْتْ , ومَنْ مَاْتَ فَاْت ) ويسمى ذلك في النثر : ترصيعا ..
أما الإيقاع في الشعر فيعتمد على وحدة التفعلية التي تتكرر حركاتها وسكناتها
بشكل منتظم في البيت أو المقطع الشعري ..
فمثلا :
( مُـتـَـفـَـاْعِـلـُنْ ) هي عبارة عن تفعيلة واحدة تسمى :
" وحدة الإيقاع " وتكرارها بانتظام وبنفس عدد وترتيب الحركات والسكنات
(مُـتـَـفـَـاْعِـلـُنْ مُـتـَـفـَـاْعِـلـُنْ مُـتـَـفـَـاْعِـلـُنْ مُـتـَـفـَـاْعِـلـُنْ )
يسمى " الإيقاع " بغض النظر عن عدد مرات تكرار التفعيلة في الشطر أو السطر الواحد .
:
أما إذا كانت عملية تكرار التفعيلة تسير وفق نمط محدد وبعدد محدد في السطر الواحد
مع تكرار ذلك في السطر الذي يليه والذي يليه .. إلى آخر القصيدة ,
فذلك ما نسميه بالوزن .. وعندئذ نسمي السطر " بيتا "
فالوزن إذن هو مجموع التفعيلات التي يتكون منها البيت الشعري الواحد
والتي تكرر وفق نمط وعدد محددين ..
فعلى سبيل المثال في الوزن التالي :
( فـَاعـِلـَ ا تـنْ , فـَاعـِلـَ ا تـنْ , فـَاعـِلـَ ا تـنْ .. فـَاعـِلـَ ا تـنْ , فـَاعـِلـَ ا تـنْ , فـَاعـِلـَ ا تـنْ )
نلاحظ أن هذه التفعيلات قد تكررت على نمط محدد وهو انقسامها بالتساوي إلى شطرين .
وبعدد محدد وهو ثلاث تفعيلات في الشطر الأول ومثلها في الشطر الثاني ..
كما نلاحظ أيضا أن الوزن السابق قد احتوى على " إيقاع " من خلال توالي الحركات
والسكنات بنفس العدد والترتيب في كل تفعيلة مكررة .. كما ذكرنا من قبل ..
ومن هنا ندرك :
أن الوزن لا يمكن أن يأتي مستقلا عن الإيقاع ..
بينما يمكن للإيقاع أن يأتي مستقلا عن الوزن .. :
( وعندما نتحدث عن توالي الحركات والسكنات بنفس العدد والترتيب في كل تفعيلة مكررة ..
علينا أن نراعي التغييرات الحاصلة على التفاعيل نتيجة الزحافات والعلل كتسكين المتحرك
أو الحذف أو الزيادة في حرف أو حرفين من حروف التفعيلة المكررة .. )
:
بناء على ذلك نقول إن :
1- الشعر العمودي :
ويسمى كذلك ( الموزون ) هو ما تساوت فيه الأبيات في الإيقاع والوزن .
أي تساوي الأبيات في عدد وترتيب الحركات والسكنات المتوالية ( الإيقاع ) من جهة
و تساويها في عدد وترتيب التفعيلات ( الوزن ) من جهة أخرى ..
وعلى هذا تصبح التفعيلة الوحدة هي وحدة الموسيقى في البيت الشعري الواحد ,
ويصبح البيت الشعري الواحد هو وحدة الموسيقى للقصيدة عامة ..
مثال :
رقـــيـَّـة تيـَّـمـــتْ قـــلــبـــي .. فـــوا كــبــدي مـــن الـحــبِ
مُـفـَـاعـَـلـَـتـُنْ مَــفـَـاعِـيـْـلـُـنْ .. مُـفـَـاعـَـلـَـتـُنْ مَــفـَـاعِـيـْـلـُـنْ
وتتكرر هذه التفعيلات ( بذات النمط والعدد ) في الأبيات التي تلي البيت السابق :
نهــــانــي أخــوتــي عــنــها ومــا بـالـحـــب مـن عــتــْـبِ
:
ولابد من التأكيد هنا على أن هذه المساواة بين أبيات القصيدة في الإيقاع والوزن عامة
هو الذي يمنح الأبيات تشابها ينتج عنه نغم مكرر تألفه النفس وتسر به ..
:
2ـ شعر التفعيلة :
وهو الشعر الذي يحتفظ بالإيقاع ويهمل الوزن .
أي أن حركات وسكنات التفعيلة الواحدة تظل متوالية متساوية في العدد والترتيب
أما عدد التفعيلات ذاتها فهو لا يتساوى في كل شطر و لا ينتهي بانتهاء الشطر
كما هو الحال معها في البيت الشعري العمودي ,
بل تظل هذه التفعيلات ـ في شعر التفعيلة ـ متكررة في دورة انفعالية ..
بمعنى أن هذه التفعيلات تبدأ مع بداية الفكرة التي يعبر عنها الشاعر وينفعل بها
ثم يرتقي هذا الانفعال ليصل إلى مرحلة التأزم ثم يعود ويهدأ ليصل إلى مرحلة الاسترخاء
حين يستنفد الشاعر انفعاله ويتم المعنى الذي يجول في خاطره .
وبهذا الاسترخاء تنتهي التفعيلات , ثم تعود مرة أخرى مع عودة الانفعال مجددا في فكرة أخرى
و مقطع آخر فيبدأ ثم يتأزم ثم يسترخي مع نهاية المقطع .. وهكذا ..
( مع ملاحظة أن تفعيلات شعر التفعيلة هي ذات التفعيلات في الشعر العمودي )
:
وبهذا تصبح التفعيلة الواحدة بحركاتها وسكناتها المتوالية
هي وحدة الموسيقى في المقطع الانفعالي الواحد ..
بينما يصبح المقطع الانفعالي الواحد هو وحدة الموسيقى في القصيدة عامة ..
:
علما أن كل مقطع انفعالي يتكون من عدة أشطر
غير متساوية في عدد التفعيلات المكررة ..
فقد يحتوي الشطر الواحد على تفعيلة واحدة أو تفعيلتين أو ثلاث ....
كما أن المقاطع ـ عادة ـ غير متساوية في عدد الأشطر .
:
وليس بالضرورة أن يتم الفصل بين المقاطع من خلال شكل الكتابة
لأن المقياس في الفصل بينها هو انتهاء أو استرخاء الانفعال المصاحب لانتهاء الفكرة
أو المعنى الذي يعبر عنه الشاعر .
* القصيدة النثرية ...القصيدة النثرية هي صورة محدثة للشعر التقليدي ... حيث تم تجنب
المظاهر الرتيبة للشعر التقليدي إلا أن القصيدة النثرية تخدم نفس أهداف أختها التقليدية ...
ولا يتعدى هذا النمط كونه وسيلة لتحرير الشاعر من قيود الوزن والتفعيلة والقافية ...
حيث في القصيدة النثرية تتشابه أوزان الأسطر وتختلف أوزان المقاطع ... وقد تكون
القصيدة متوحدة الوزن والقافية كلياً ... أو مقطعياً ... أو قد تكون متنوعة القوافي
والأوزان ... إلا أن ما يبقي لهذه الدفقة الأدبية إنطباع القصائد هو التوحد المقطعي
السائد بين بعض الأبيات ببعضها أو بين بعض المقاطع ... لاحظوا المقاطع والأوزان
في القصيدة التالية لتتبين لكم الصورة ...مثال لقصيدة نثرية
"عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحر
أو شرفتانِ راحَ ينأى عنهُما القمر
عيناكِ حين تبسمانِ تُورقُ الكروم
وترقصُ الأضواءُ .. كالأقمارِ في نهر
يرجُّهُ المجدافُ وَهْناً ساعةَ السحر...
كأنّما تنبضُ في غوريهما النجوم
وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيف
كالبحرِ سرَّحَ اليدينِ فوقَهُ المساء
دفءُ الشتاءِ فيه و ارتعاشةُ الخريف
و الموتُ و الميلادُ و الظلامُ و الضياء
فتستفيقُ ملء روحي، رعشةُ البكاء
ونشوةٌ وحشيةٌ تعانق السماء
كنشوةِ الطفلِ إذا خاف من القمر
كأنَّ أقواسَ السحابِ تشربُ الغيوم..
وقطرةً فقطرةً تذوبُ في المطر ...
وكركرَ الأطفالُ في عرائش الكروم
ودغدغت صمتُ العصافيرِ على الشجر
أنشودةُ المطر
مطر
مطر
مطر"
من أنشودة المطر للشاعر بدر شاكر السياب
* المصدر عدة مواقع ،،
hgauv ,hk,hui KK