السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أُريد أن أُحبَّ الله - عزَّ وجلَّ - وأن يَعظُمَ قدرُه في قلبي، وأن أستحي منه حقَّ الحياء، فما السبيلُ لذلك؟
وأريد أن أعرِف الله - عزَّ وجلَّ - حقَّ معرفته، فأرجو أن تخبروني عن كتب أقرؤها، أو دروس أسمعها، فتساعدني على معرفة ربي، والإقبال عليه.
وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
" أريد أن أعرف الله - عز َّوجلَّ - وأحبه"، "أريد أن أُحبَّ الله - عزَّ وجلَّ - وأن يَعظُم قدرُه في قلبي، وأن أستحي منه حق َّالحياء، فما السبيل لذلك؟"
لقد سألتِ عظيمًا، وإنَّه ليسيرٌ على مَن يسَّره الله - تعالى - عليه، حقًّا إنَّه لسؤالٌ عظيم، ومطلَب كريم، تطمح إليه كلُّ نَفْس مؤمنة، وهي أشدُّ احتياجًا إليه من مقوِّمات حياتها - الطعام والشراب والهواء - فمعرفةُ الله حياة الرُّوح ونعيمها، ولذَّتُها وسرورها، "والعبدُ كمالُه في أن يعرِفَ الله فيحبَّه، ثم في الآخرة يراه ويلْتَذُّ بالنظر إليه"؛ كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى.
وأُحبُّ أن أذكُرَ لكِ بعضَ الأمور التي تُعينكِ على ما طلبتِ، مختصرًا ذلك اختصارًا شديدًا من كلام أْهل العِلم العارفين المحبِّين، ثم أُحيلكِ على بعض الكتب والدروس - كما طلبتِ.
واللهَ أسأل أن يرزقني وإياكِ وجميعَ المسلمين معرفتَه وحبَّه، والاستحياءَ منه حقَّ الحياء.
• فعليكِ بمداومةِ معايشة الكتاب والسُّنة؛ فإنَّ هذه المعايشةَ سببٌ في معرفة الله حقَّ المعرفة، وإذا عَرَف المسلِمُ ربَّه حقَّ المعرفة، أحبَّه واستأنس به، وخافَه ولجأ إليه، بحيث لا تمرُّ عليه لحظة إلاَّ وهو فيها مؤدٍّ ما عليه، مستعدٌّ للقاء الله - عزَّ وجل.
• وأكثر من التأمُّل والتفكُّر المستمرِّ في الكون، وفي نفسك التي بين جنبيك، واجْعل هذا التأمُّلَ طريقًا لمعرفة الله ومحبته؛ فإنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يقول: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 20 - 21]، ويقول - جلَّ ذِكْرُه -: ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ﴾ [الروم: 8].
ويقول - سبحانه -: ﴿ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [فصلت: 53].
• الاجتهادَ الاجتهادَ في الدعاء أن يَرزُقَكِ الله حبَّه، وحبَّ كلِّ شيء يقرِّب إلى حبِّه، وسليهِ التوفيقَ والثبات، وابرئ من الحول والقوَّة؛ كما قال الله - تعالى - عن خطيب الأنبياء شعيب - عليه السلام -: ﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88]، و"قدْ أَجْمعَ العارفون على أنَّ كلَّ خيرٍ أصْلُه بتوفيقِ الله للعبد، وكلَّ شرٍّ أصلُه خِذلانُه لعبده، وأجمعوا أنَّ التوفيقَ ألاَّ يكِلَك الله إلى نفسك، وأنَّ الخذلانَ هو أن يُخلِّي بينَك وبين نفسِك، فإذا كان كلُّ خيرٍ أصلُه التوفيق، وهو بِيَد الله لا بِيَد العبدِ، فمِفتاحُه الدعاءُ والافتقارُ، وصِدْقُ اللَّجَأ، والرغبة والرهبة إليه، فمتى أُعطِيَ العبدُ هذا المِفتاحَ، فقَدْ أراد أن يفتح له، ومتى أضلَّه عن المِفتاح بقي بابُ الخير مُرْتَجًّا دونه... وما أُتِي مَن أُتِي إلاَّ مِن قِبَل إضاعة الشُّكر، وإهمالِ الافتقار والدعاء، ولا ظَفِرَ مَن ظَفِرَ - بمشيئة الله وعونه - إلاَّ بقيامه بالشُّكر، وصِدقِ الافتقار والدعاء"؛ "الفوائد"؛ لابن القيم (1/97)، باختصار.
• واعْلم أنَّ محبَّة الله لا تتمُّ إلاَّ باتباع رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31].
• تَعرَّف على عيوب نفسِك ونقْصِها، واستحضر جلالَ ربِّكِ وكمالَه، فإنَّه بحسب معرفتك بعيوب نفسِك، ومعرفتِك بجلال الله - تعالى - تكون قوَّةُ حبِّك وخوفك، فأخوفُ الناس لربه أعرفهم بكمال ربِّه، ونقص نفسِه، "فالعارف: يسير إلى الله - عزَّ وجلَّ - بين مشاهدة الِمنَّة لله - سبحانه - ومطالعة عَيْب النفس؛ ولذلك قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنا أخوفُكم لله))؛ أخرجه البخاري من حديث أنس، وللشيخَين من حديث عائشة: ((واللهِ إني لأعلمُهم بالله، وأشدُّهم له خشية))، فإذا سِرْتِ بين مشاهدة مِنَّة الربّ، ومطالعة عيْب النفس، وكَمُلَتِ المعرفة، أورثتْ جلالَ الخوف، واحتراقَ القلْب، ثم يفيض أثر الحُرْقة من القلب على البدن، وعلى الجوارح وعلى الصِّفات.
• ولتتقرَّب إلى الله - تعالى - بتوحيده وإخلاصِ كلِّ الأعمال له، وبالنوافل بعدَ الفرائض؛ كما في الحديث القُدسي: ((وما تَقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُه عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إلي بالنوافل حتى أحبَّه))؛ رواه البخاري.
• وداومِ ذِكْرَه على كلِّ حال باللِّسان والقلْب، والعمل والحال، فنصيبُكِ من المحبَّة على قدْر هذا.
• كُون من أصحاب هذه الآية الكريمة: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165].
• ولتؤثر محابَّ الله - تعالى - على محابِّك، خصوصًا عندَ غلبات الهوى.
• وطالع بقَلْبك أسماءَه وصفاتِه، وشاهدها، وتقلَّب في رِياض هذه المعرفة وميادينها.
• ولينكسرْ قلبُكِ بين يدي ربك.
• ولا يَفوتنَّكِ وقتُ النزول الإلهيِّ آخرَ الليل، فاخْتَلِي بربك مصليَّ له، وتالي كتابه، ثم اختم ذلك بالاستغفارِ والتوبة.
• جالسِ المحبِّين الصادقين، والْتقط مِن أطايبِ ثمرات كلامهم، كما يُنتقَى أطايب الثمر.
• مَن صَمَت نجَا؛ فلا تتكلَّم إلاَّ إذا ترجَّحتْ مصلحةُ الكلام، وعلمْتِ أنَّ فيه مزيدًا لحالك، ومنفعةً لغيرك.
• ابتعد عن كلِّ سبب يحول بين القلْب وبين الله - عزَّ وجلَّ - خصوصًا مشاهدة وسائل الإعلام الهدَّامة.
• كون راضيا عن الله، وقضائه وقدَرِه دائمًا وأبدًا، فمَن رُزِق معرفةَ الله - تعالى - استراح؛ لأنَّه يستغني بالرِّضا بالقضاء، فمهما قُدِّر له رضي.
• حِجابُكِ يحجُبكِ عن النار، ويقطع طمعَ الذين في قلوبهم مَرَض، فلْتحتجبي الحجابَ الكامل، وستجدين لذَّةً ومحبَّة عجيبة، "وما راءٍ كمَن سمعَا".
• وبالجملة فكلَّما تقرَّبتِ إلى الله - تعالى - بما شَرَعه من الطاعات، وأحسنتِ إلى عباده، كلَّما زادتْ محبتُك وإيمانك، وخشيتُك ويقينُك.
وإليكِ بعضَ الكتب النافعة المفيدة في هذا:
فأولاً: كتب الزهد المسندَة مثل: "الزهد"؛ للإمام أحمد، و"الزهد"؛ لهنَّاد، و"الزهد"؛ لابن أبي عاصم، فكلامُ السلف قليلٌ، ولكنَّه كثيرُ البركة.
وثانيًا: كتب تراجم الأعلام من الأولياء الصالحين، والسادة المحبِّين، كـ"حلية الأولياء"؛ لأبي نُعَيم، و"سِيَر أعلام النبلاء"؛ للذهبي، ففيها ترجمة عمليَّة للمحبَّة، والخوف من الله تعالى، وهذا مِن أحسنِ ما يَنفع العبد.
• كذلك كتاب "قاعدة في المحبَّة"؛ لشيخ الإسلام ابن تيمية.
• وكُتب شمس الدِّين ابن القيِّم؛ طبيبِ القلوب، وخصوصًا: كتاب "روضة المحبِّين"، و"الوابل الصيِّب"، و"الداء والدواء"، و"الفوائد"، و"إغاثة اللهفان"، و"طريق الهجرتين"، و"مدارج السالكين".
• وكُتب صِنوه ابن رجبٍ الحنبلي، خصوصًا: "رسالة في شرح حديث: ((ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حلاوةَ الإيمان...))"، و"التخويف من النار".
• وكتاب "كلمات في المحبَّة والخوف والرجاء"؛ تأليف الشيخ: محمد بن إبراهيم الحمد.
• و"ثلاث رسائل في المحبَّة"؛ لعبدالله بن جار الله بن إبراهيم آل جار الله.
• ومن المحاضرات النافعة: محاضرات الشيخ الدكتور محمد المختار الشنقيطي - حفظه الله - خصوصًا: محاضرة "واتقوا يومًا تُرجعون فيه إلى الله"، ومحاضرة "أن تقول نفس يا حسرتَا على ما فرطت في جنب الله"، ومحاضرة "الْمِقة (المحبَّة) مِن الله".
• وإذا بحثتِ على "الشبكة العنكبوتية" ستجد الكثيرَ النافع - بإذن الله تعالى.
ونسأل الله - تعالى - أن يرزقَكِ محبَّتَه وخشيتَه، والحياءَ منه حقَّ الحياء
ادعوا لكاتبه وناقله
;dt Huvt hggi ,Hpfi? <<< vhzu gh dt,j;