الجميع يتحدث عن
اليوم الوطني هذا العام لأننا استطعنا أن نفرد له يوما لن ينقصه إلا الاحتفال الكبير وإطلاق الألعاب النارية في سماء الوطن كله ابتهاجا بهذه المناسبة التي خلفت لنا اليوم الذي أصبح فيه وطن لنا ولأبنائنا وأجيالنا القادمة جمعيها.
كم أتمنى ألا يصدم الأبناء بأن يومهم الوطني مخالف للمنهج الاجتماعي السائد وأتمنى ألا يتم تشويه ذلك اليوم بعبارات توحي بأن ذلك اليوم تشبه بالكفار أو بدعة بشرية.
نعم ليس للمسلمين ونحن منهم سوى أعيادهم المعروفة ولكن للمسلمين جميعا الحق بالاحتفال بمناسباتهم الدنيوية ومن حقنا أن نحتفل بتلك اللحظات التي جعلت لأجيالنا وطنا يعبّرون فيه عن فرحتهم وبالطرق التي يرونها مناسبة لهم ومتمشية مع أهدافهم. إن ثقافة الفرح والابتهاج ثقافة تكاد تكون مفقودة في مجتمعاتنا، بل إن هناك علاقة عكسية بين التقدم في العمر وبين التعبير عن الفرحة بابتسامة أو حركة، لقد تأثر أطفالنا كثيرا من تلك الثقافة المستبدة فحتى أعيادنا الدينية لا تزال تفتقد الفرحة الحقيقية.
نعم إن لدينا وطناً يجب أن نحتفل به فهو أرضنا التي اجتمعت تحت راية واحدة فهل نعي ذلك بشكله الحقيقي.
إن الخوف الحقيقي أن يشعر أبناؤنا بالاغتراب عن وطنهم لأن الفرحة بالوطن قد تدخلهم في مسألة شائكة لا يدركون أبعادها فمازالت الوطنية تعتريها أشكال من التخمينات التي لن تثمر سوى اغتراب حقيقي يفصل بين الفرد ووطنه، ولكن هاهي الفرصة تفتح أمامنا لاختبار تلك الغربة في عقول أبنائنا فنحن في مجتمعات تعرضت كغيرها إلى موجة من المفاهيم التي غيبت الكثير من معاني الوطنية التي تمثل استشعار التاريخ الذي حول هذه الأرض إلى مكان له تعريف سياسي واجتماعي يميزه عن غيره.
الاحتفال بالوطن ليس مناسبة سياسية للتهاني والتبريكات بقدر ما هي مناسبة اجتماعية تعكس اللحمة الوطنية التي يجب أن نستشعرها في عقولنا ومفاهيمنا وهذا مطلب جميل وأساسي، ولكن سؤالا كبيرا تقدم أمامي وسابق كلماتي قد استوقفني كثيرا وحاولت أن أجمح ذلك السؤال وذهبت أبحث في كتب التربية الوطنية عن إجابة لذلك السؤال الذي وقف في مخيلتي كثيرا وهو يردد هل نمارس غرس الوطنية ومفاهيمها في إطارنا الاجتماعي بكل أبعاده؟ لقد ترددت كثيرا في تلك الإجابة وذهبت مسرعا إلى كتب التربية الوطنية لعلي أجد شيئا يعينني على الإجابة على ذلك التساؤل الكبير، لقد وجدت في ثنايا الكتب وطنا بدون يوم وطني كي أحتفل به وأرد على سؤال كبير خيم في مخيلتي. قلبت كل المفاهيم من حولي أبحث عن غطاء أستر فيه نهمي فوجدت أننا مازلنا في الخطوات الأولى لتعميق مفاهيم الوطن والوطنية وأننا مازلنا بحاجة إلى تلك الرسالة التاريخية التي جمعت هذا الوطن تحت راية واحدة.
قلبت الأفلام والمسلسلات فلم أجد ملحمتنا الخالدة في فيلم وطني يُعرض على أبنائنا وبناتنا وهم على مقاعد الدراسة بعيدا عن الدعاية الإعلامية وقريبا من الوصف التاريخي الخالد لملحمة التوحيد كما نريد لأبنائنا الصغار أن يدركوها وليس لمناسبة نتسابق فيها على الإعلان عن أنفسنا قبل مناسبتنا ودون أن نستشعرها.
إن أطفالنا في هذه المرحلة التي اكتشفنا فيها بعضا من الضعف لديهم في إدراك مفاهيم الوطن والمواطنة يحتاجون أن نمارس معهم الاحتفال بشكل مختلف وبلغة محسوسة يدركون أبعادها وليس بلغة أكاديمية معقدة يطلقها لهم أحد المثقفين لا يفقهون منها شيئا ولا بصحف مليئة بالتهاني التي تجعل من يومنا الوطني مناسبة مؤقتة لا تتجاوز أربعاً وعشرين ساعة من الزمن.
لقد مللنا نحن وأطفالنا ذلك السيناريو المتكرر لأننا يجب أن ندرك أننا دخلنا مرحلة جديدة من الاحتفال بيوم الوطن فلا بد من تغيير تلك الأساليب لتتجه إلى أجيالنا وأطفالنا حيث الأرض الحقيقية التي يجب أن نزرع فيها حب الوطن وأن نكرس فيهم تلك الكلمة. لتحتفل كل مدينة وتخرج بأبنائها إلى الشوارع وهي تحمل علم المملكة احتفاء بهذه المناسبة، فمنهجية الاحتفال بالوطن يجب أن تتغير فهي احتفاء يجب أن تتوارثه الأجيال منذ الطفولة المبكرة ومادمنا أفردنا لهذا الوطن يوما نتذكره فيه فهو يوم من حق الوطن وعلينا أن نزينه بالفرحة في وجوه أطفالنا في كل مكان، فلن نسمح أن تمر تلك المناسبة رتيبة تخترق آذاننا فيها كلمات ودعاية لا يفقهها أطفالنا ولا تعرفها أجيالنا. علينا أن نحذر من أن تتحول هذه المناسبة إلى منهجية قد تؤثر سلبا على تلك الأجيال الصاعدة، ومادام هذا الوطن ملكاً لكل فرد فيه فمن حقنا أن نحتفل به. إن يومنا الوطني الذي أفردنا له يوما لن يذهب فيه أطفالنا إلى المدارس ولن يذهب فيه كبارنا للعمل، هذا اليوم ليس يوما للراحة والاستجمام من العمل لكنه يوم للاحتفال بالوطن بعيدا عن كل شيء يتناقض مع مفاهيم المواطنة والوطنية. حاجتنا الحقيقية أن نسد ثغرة من الاغتراب قد تكون نشأت في عقول أبنائنا وحالت بينهم والوطن بشكل فكري جعلهم يخلطون بين مفاهيم الإسلام وعالميته وبين مفاهيم الوطن وخصوصيته السياسية والجغرافية.
إننا لسنا البلد المسلم الوحيد على هذه الأرض وإن كنا أهم بلدانه لوجود المقدسات الإسلامية في أرضنا، ولكننا وطن له أركانه وترابه الذي يحدد هويتنا وانتماءنا الجغرافي. خطابنا الاجتماعي يجب أن يطلق العنان لمفاهيم الوطنية والوطن لأننا كثيرا ما نستخدم العمومية في تحديد هويتنا الوطنية وكأن الانتماء المكاني والسياسي يتعارض مع قواعدنا الدينية فتكرار مفردات ومفاهيم لا تشير إلى الوطن ككيان مستقل تعتبر أحد أهم الأدوات التي تؤصل للاغتراب الحقيقي عن معنى الوطن والمواطنة لدى الأجيال القادمة. إن تفسير المواطنة يجب ألا يخضع لمنهجية تتداخل مع القيم العقدية للمجتمع فالمواطنة حدث إنساني يعبر فيه الأفراد عن حالة من الانتماء الدائم لمعطيات مشتركة بينهم كالأرض والتجمع الإنساني والمصالح المشتركة في إطار متعارف عليه، ولكن عندما تتداخل لديهم مفاهيم هذا الانتماء مع مصطلحات أخرى وخاصة العقدية منها والتي يعبر عنها بالانتماء للمسلمين والأمة الإسلامية، فإنهم بذلك تتسع الدائرة عليهم وقد يفقدون تحديد موقع مكاني يستوعب مفاهيم الانتماء لديهم وبذلك يتضاعف إيمانهم بالدائرة الكبرى في مقابل الانتماء للدائرة الوطنية مما يفقدهم طعم الإحساس بالمساحة التي ينتمون إليها وهذه حقيقة الاغتراب الذي يحقق التباعد بين الفرد والمواطنة.
إننا يجب أن نتجاوز كل معوقات الاحتفال بيومنا الوطني وأن نكون أكثر جرأة في كسر كل الحواجز التي تعيق فرحتنا فما كسبناه في سنوات خلت من ضبابية الموقف حول المواطنة لابد من التخلص منها، وليكن اليوم احتفالا وطنيا حقيقيا بعيدا عن الدعاية لأنفسنا قريبا من الشعور بوطننا.
اتمنى من الكل المشاركه بالمقالات عن الوطن
hgd,l hg,'kd >>>1429