المذهب المالكي
الإمام مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي ولد في المدينة سنة 93 للهجرة على الرأي الراجح ، وعاش فيها وطلب العلم على علمائها ولما شهد له شيوخه بالحديث والفقه جلس للرواية والفتيا وقد روى عنه أنه قال : ما جلست حتى شهد لي سبعون شيخاً من أهل العلم أني موضع لذلك . أجمع الناس على أنه إمام في الحديث موثوق بصدق روايته ، وقال بعضهم أصح حديث ما يرويه مالك عن نافع عن ابن عمر ، ثم مالك عن الزهري عن سالم عن ابن عمر ، ثم مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، وكان مالك إلى جانب إمامته في الحديث إماماً في الفقه . لم يدون الإمام مالك أصول مذهبه وقواعده في الإستنباط ويعد كتاب (الموطأ) وهو كتاب حديث وفقه أهم أثر علمي لهذا الإمام ، وقد أقام الإمام مالك بالمدينة ولم يرحل عنها ، وهذا ما جعل معظم حديثه يدور على ما رواه الحجازيون ، وقلما نجد في موطئه ذكراً لغيرهم ، وكان له مع بعض أئمة عصره كأبي حنيفة والليث مناقشات ومراسلات ، توفي بالمدينة سنة 179 للهجرة .
أصول المذهب المالكي
القرآن الكريم ، ثم السنة النبوية ، ثم إجماع الصحابة ، ويقوم أيضاً على القياس ، بيد أن أهمية القياس في المذهب المالكي ليست كأهميته في المذهب الحنفي . ويخالف الإمام مالك كل الأئمة في الأخذ بعمل أهل المدينة ، وقد جاء في كتابه للإمام الليث : فإنما الناس تبع لأهل المدينة إليها كانت الهجرة وبها تنزل القرآن وأحل الحلال وحرم الحرام ، إذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم يحضرون الوحي والتنزيل ، ويأمرهم فيطيعونه ، ويسن لهم فيتبعونه .
وخلاصة الرأي في عمل أهل المدينة أنهم اذا اتفقوا على مسألة ، واتفق مع العمل علماؤها فهذا العمل حجة يقدم على القياس ، بل ويقدم على الحديث الصحيح ، أما اذا لم يكن عملاً إجماعياً ، بل عمله أكثرهم فهذا العمل أيضاً حجة يقدم على خبر الواحد ، لأن العمل بمنزلة الرواية الأكثر ، فإذا جاء خبر واحد يخالفهم كان الراجح أنه مسنوخ .
ومما يتصل بعمل أهل المدينة الأخذ بفتوى الصحابي على أنها حديث يجب العمل به . ومن أصول المذهب المالكي أيضاً الإجماع والمصلحة المرسلة وسد الذرائع والعرف والإستصحاب والإستحسان وقد توسع في العمل بالمصلحة حتى نسب إليه وحده العمل بها .
تلاميذ الإمام مالك
ابن القاسم : عبدالرحمن بن القاسم ولد سنة 128 للهجرة وطالت صحبته للإمام مالك ولهذا كان أعلم أصحاب الإمام بفقهه ، وهو أحد رواة الموطأ ، توفي بمصر سنة 191 للهجرة .
ابن وهب : أبو محمد عبدالله بن وهب بن مسلم القرشي ولد سنة 125 للهجرة روى عنه ابن جريج وعمر بن الحارث وتفقه بمالك والليث وسفيان بن عيينه ، وقد رحل إلى الإمام مالك سنة 148 للهجرة ولم يزل في صحبته حتى توفي هذا الإمام ، وكان الإمام مالك يحبه ويجله كثيراً ويكتب إليه ، إلى عبدالله بن وهب فقيه مصر ، ولم يكن يفعل هذا لغيره ، وقد نشر ابن وهب مذهب مالك في مصر والمغرب وتوفي سنة 197 للهجرة .
أشهب : أشهب بن عبدالعزيز القيسي العامري ولد سنة 140 للهجرة وتفقه بمالك والمدنيين ، وانتهت إليه رئاسة العلم بمصر بعد ابن القاسم ، وكان وابن القاسم كفرسي رهان فالمنافسة بينهما شديدة ، وكان ابن عبدالحكم الفقيه المالكي يفضل أشهب على ابن القاسم . توفي سنة 204 للهجرة ، وكانت وفاته بعد الإمام الشافعي بثمانية عشر يوماً .
ابن عبد الحكم : أبو محمد عبدالله بن عبد الحكم ولد سنة 155 للهجرة وسمع من مالك الموطأ وروى عن الليث وابن لهيعة وابن عيينة وآخرين وكان صديقاً للإمام الشافعي وعيه نزل فأكرم مثواه وبلغ الغاية في بره ، له مؤلفات من أهمها المختصر الكبير والأوسط والصغير ، وفضائل عمر بن عبد العزيز والمناسك ، توفي سنة 214 للهجرة .
أسد بن الفرات : أصله من نيسابور ، ونشأ في تونس ثم رحل إلى الإمام مالك في المدينة ، وتلقى عنه الموطأ ثم ذهب إلى العراق وأخد عن الإمام محمد بن الحسن ، ورجع إلى مصر وعرض على ابن القاسم ما تلقاه من فقه العراق فأفتاه بمذهب مالك فيها . قاد الجيش الذي خرج لغزو صقلية ومات وهو يحاصر سرقوسة سنة 213 للهجرة ، وفيه قال الشافعي : ما رأيت بمصر أعلم باختلاف الناس من أسد بن الفرات .
أصبغ : أصبغ بن الفرج بن سعيد ، ولد سنة 150 للهجرة بمصر ، ورحل إلى مالك بالمدينة فدخلها يوم مات فأخذ عن ابن القاسم وابن وهب وأشهب ، وروي أنه كان من أعلم خلق الله برأي مالك في المسائل . له من المؤلفات آداب القضاء وتفسير غريب الموطأ وآداب الصيام والرد على أهل الأهواء ، توفي بمصر سنة 225 للهجرة .
عيسى بن دينار : قرطبي أندلسي ، رحل إلى ابن القاسم فأخذ عنه ، وكان ابن القاسم يجل تلميذه ويصفه بالفقه والورع ، وقد بلغ ابن دينار في العلم مكانة عالية ، وكان فقيه الأندلس في عصره ، وعليه تدور الفتوى زكان مع علمه الغزير عابداً ناسكاً وتوفي بطليطلة سنة 212 للهجرة .
سحنون : عبدالسلام بن سعيد التنوخي ، لقب بسحنون وهو طائر قوي البصر ، لحدته في مسائل الفقه ، وقد تفقه في القيروان ثم رحل إلى مصر ثم إلى المدينة ، وسمع من ابن القاسم وابن وهب وأشهب ، ولم يسمع من الإمام مالك . اجتمع فيه الفقه والورع والصرامة في الحق والزهادة في الدنيا فكان خشن الملبس والمطعم وكان لا يقبل من السلطان شيئاً . صنف المدونة التي اعتمد في تصنيفها على الأسدية وأصبحت عمدة المذهب المالكي ومصدره الأولى يعد الموطأ . ولد سحنون سنة 160 للهجرة وتوفي سنة 240 للهجرة .
هؤلاء أهم تلاميذ الإمام مالك ، ويلاحظ أن منهم من لم تكن له تلمذته لهذا الإمام تلمذة مباشرة ، وهناك كثير من التلاميذ لا يتسع المجال لذكرهم ... .
مواطن انتشار المذهب المالكي
الإمام مالك عاش حياته كلها في المدينة كما ذكرنا ، لذلك غلب على أهل الحجاز هذا المذهب ، ثم انتقل على أيدي التلاميذ إلى مصر والمغرب العربي وبلاد الأندلس .وما يزال المذهب المالكي حتى الآن في مصر وخاصة في الصعيد ، والمغرب العربي ، والسودان وسائر أفريقيا أيضاً ، وفي بعض دول الجزيرة التي تطل على الخليج العربي أتباع للمذهب المالكي أيضاً ، بل إنه مذهب الدولة في الكويت والإمارات وإن كان عماة الناس يميلون إلى المذهب الحنبلي .
كتب المذهب المالكي
يعد كتاب الموطأ للإمام مالك المصدر الأول في المذهب وهو كتاب فقه وحديث وله أكثر من رواية وأشهر المتداول من روايات الموطأ المطبوعة رواية يحيى بن يحيى الليثي المصمودي الأندلسي (ت: 234هـ) ورواية محمد بن الحسن الشيباني.
ولقي الموطأ من العلماء اهتماماً كبيراً وعناية بالغة فمنهم من اختصره وشرحه ومنهم من ألف في رجاله وفضله ومنهم من ألف في اتفاقات نسخه واختلافها.
ومن الشروح التي فصلت القول في الموطأ حديثاً وفقهاً (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر الأندلسي (ت: 463هـ) (والاستذكار لمذهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار) لابن عبد البر أيضاً والكتاب الأول خصه مؤلفه لما ورد عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) من الحديث متصلاً أو منقطعاً أو موقوفاً دون ما في الموطأ من الآثار والآراء وأفرد الكتاب الثاني لشرح وتحليل الآراء والآثار التي وردت في الموطأ والكتابان معاً دراسة متكاملة في أحاديث الموطأ وفقهه.
ومن الشروح المهمة المنتقى لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي (ت: 474هـ) وتنوير الحوالك على موطأ مالك لجلال الدين السيوطي (ت: 911هـ) وشرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك لمحمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري (ت: 1122هـ).
وكتب بعد إمام المذهب فقهاء كثيرون في الفقه المالكي ولكن الظاهرة التي تستلفت النظر أنه في قرن واحد وهو القرن الثالث الهجري ظهرت مدونات تعرف بالأمهات في المذهب وتأتي مدونة الإمام سحنون في مقدمة هذه المدونات وقد أشرنا إليها في الفصلين الثاني والخامس من الباب الثاني فهو الكتاب الأول في الفقه المالكي بعد الموطأ ومن ثم إذا أطلق الكتاب عند المالكية فالمراد به هذه المدونة.
وأصل مدونة سحنون الأسدية التي دونها أسد بن الفرات بالتلقي عن ابن القاسم الذي لازم مالكاً نحو عشرين سنة وأخذ أيضاً عن غيره من العلماء.
وكرر الإمام سحنون النظر فيما أخذه عن أسد فهذب ورتب وذيل الأبواب بالأحاديث والآثار وأضاف إلى ما أخذه خلاف كبار أصحاب مالك له ولهذا أقبل الناس على مدونة سحنون وهجروا الأسدية وأصبحت لهذه المدونة تلك المنـزلة الفريدة في المذهب.
وأما المدونات الأخرى التي تعرف بالأمهات فهي:
الواضحة في السنن والفقه لعبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون المتوفى سنة 238هـ.
المستخرجة أو العتبية على الموطأ لمحمد العتبي ابن أحمد بن عبد العزيز القرطبي المتوفى سنة 254هـ.
الموازية لمحمد بن إبراهيم بن زياد المعروف بابن المواز المتوفى سنة 281هـ.
لهذه المدونات الثلاثة مع مدونة سحنون تعرف في المهذب المالكي بالأمهات الأربع فهي مصادره الأولى وعليها المعول في دراسة فقه المذهب.
وفي المذهب المالكي مختصرات ومتون كما في سائر المذاهب وأهم المختصرات في هذا المذهب:
رسالة ابن أبي زيد القيرواني.
مختصر الشيخ خليل.
وقد ذكرنا في الفصل الخاص بالفقه المذهبي والفقه المقارن أن رسالة ابن أبي زيد اختصار لمدونة سحنون وهي في الفقه بمعناه العام الذي كان يطلق عليه في صدر الإسلام وأن الشيخ خليل بن إسحاق المالكي قد اختصر ما كتبه ابن الحاجب الذي اختصر بدوره ما كتبه البرادعي وهو من أصحاب أبي زيد وما كتبه اختصار لرسالة القيرواني.
وقد ذكرنا أيضاً أن على رسالة ابن أبي زيد شروح كثيرة من أهمها شرح للعالم الزاهد والفقيه الصوفي العابد أحمد بن أحمد بن أحمد بن عيسى المعروف بزروق والمتوفى سنة 899هـ ويتحدث هذا العالم في مقدمة شرحه عن الرسالة وأهميتها وعن مدى اهتمام العلماء بها فيقول (وإن رسالة ابن أبي زيد شهيرة المناقب والفضائل غزيرة النفع في الفقه والمسائل) ولم تزل الناس يشرحونها على مر السنين والدهور والعلماء يتداولونها ويتبادلون ما فيه من مشكل الأمور نحواً من خمسمائة سنة ولم تنقص لها حرمة ولا طعن فيها عالم معتبر في الأمة حتى لقد ذكر أنها منذ وجدت إلى الآن يخرج لها كل سنة شرح وتبيان.
وأما مختصر الشيخ خليل فهو الكتاب المعتمد عند المتأخرين من المالكية ومن ثم شرحه كثير من الفقهاء وكتبت على بعض شروحه الحواشي والتعليقات ومن هذه الشروح:
مواهب الجليل لشرح مختصر الشيخ خليل لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المكي المعروف بالحطاب (ت: 954هـ) وهذا الشرح من أشهر كتب المذهب وأكثرها اعتماداً في فقهه.
شرح الزرقاني على مختصر خليل لعبد الباقي بن يوسف الزرقاني (ت: 1099هـ) وهذا الشرح من الشروح المعبرة في المذهب وعليه أكثر من حاشية.
الخرشي على مختصر سيدي خليل لمحمد بن عبد الله بن علي الخرشي (ت: 1101هـ) وعلى هذا الشرح حاشية لعلي بن أحمد الصعيدي العدوي وهي حاشية موسعة تعرف بحاشية العدوي.
الشرح الكبير على مختصر سيدي خليل لأحمد بن محمد بن أحمد بن أبي حامد العدوي الشهير بالدردير (ت: 1201هـ) وعلى هذا الشرح حاشية شهيرة لمحمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي (ت: 1230هـ) تعرف بحاشية الدسوقي.
مصطلحات المالكية
المذهب : مذهب الإمام مالك
المشهور : مشهور مذهب الإمام وفي ذلك إشعار بخلاف في المذهب
بالمشهور : ما كثر قائله
إذا قيل : (قيل كذا) أو (اختلف في كذا) أو (في كذا قولان فأكثر) أي إن هناك اختلافاً في المذهب
روايتان : أيِ ِعن الإمام مالك
الكتاب : أي مدونة سحنون