طالب سوري يروي أحداثاً مروعة في معتقل جماعي في أحد الملاعب الرياضية ..اجبرونا على ترديد "بشار ربي
دمشق (صدى):
يروي طالب جامعي عمره 25 سنة لمنظمة العفو الدولية ما عاناه من عمليات الضرب والتعذيب التي تعرض لها هو ومعتقلين آخرين أثناء احتجازهم في ملعب رياضي، وذلك بعد أن ألقت قوات الأمن القبض عليه مع والده البالغ من العمر 73 عاما من منزله في بلدة بانياس الساحلية في 8 أيار/مايو.
وفيما يلي نص الشهادة التي قدمها الطالب لمنظمة العفو الدولية:
"قرع بضعة جنود الباب، وطلبوا منا القدوم معهم لخمس دقائق لأن الضابط أراد معاينة بطاقات هويّاتنا.ذهبنا معهم وهناك كان كثير من الرجال الآخرين والصبيان الذين اقتيدوا من منازلهم مثلنا. جمعونا تحت جسر راس النبعة، والذي يقع في حي راس النبعة حيث وقعت اشتباكات مسلحة بين الجيش وبضعة رجال مسلحين الشهر الماضي (أبريل/نيسان).
"كانت هناك خمسة حافلات من نوع تويوتا، يتسع كل منها لـ24 راكباً، وحافلة من نوع مازدا تتسع لـ31 راكباً، فضلا عن عربات عسكرية. وقفت بعيداً عن والدي لأنه لو ضربوا أبي أمامي، لكان الموقف مؤلماً جداً لكلينا.
وعلى متن الحافلة بدأ ثلاثة جنود كان يرافقوننا في ضرب الرجال الذين كانوا جالسين في المقاعد الأمامية. كنت جالسا في الخلف. وبعدها توقفت الحافلة في منطقة الكوز(وهي الجزء العلوي من بانياس) لبضع دقائق. وتم اقتيادنا خارج الحافلة وكان جندي يمر حاملاً مقصاً يقص به خصلات من شعر الموقوفين بشكلٍ عشوائي. قام بقص خصلة من شعر رأسي من الخلف دونما سبب.
وبعدها أخذونا إلى ملعب رياضي في نهاية شارع الكورنيش في بانياس. وعندما نزلت من الحافلة قاموا بعصب عينيّ وربط يديّ من الأمام بأسلاك بلاستيكية. كان آخرون قد قـُيّدت أيديهم وراء ظهورهم. ثم بدأوا يضربوننا. أجبرونا على الجلوس على رُكَبنا في ساحة موقف الملعب المفتوحة. كنّا بالمئات، لذا كنا جالسين على مسافات قريبة من بعضنا البعض.
كان جنودٌ يرتدون بزات خضراء مموّهة ورجال أمن يلبسون ملابس خضراء يسيرون حولنا ويصفعوننا بقوة في الوجه ويركلوننا بأحذيتهم العسكرية في جميع أجزاء أجسامنا، لاسيما ظهورنا، كما كانوا يضربوننا بالهرواى والعصي والدبابيس الخشبية.
وكانوا بعدها يختارون محتجزين محددين لا على التعيين ويجرّونهم بعيداً قليلاً عن الآخرين حتى يُتاح لهم المجال لضربهم بشدة. جاء أحدهم إليّ بينما كنت جالساً على ركبتَيَّ، ووضع حذاءه على رأسي وضغطه للأسفل حتى لمس وجهي الأرض، ثم سألني: "من هو سيّدك؟". فأجبت: "بشار الأسد"، فتركني. حدث الشيء نفسه مع صديقي، لكن الجندي دقّ رأس صديقي على الأرض بحذائه حتى نزف من أنفه وفمه. وأخذ يكرر سؤاله: "من هو ربّك؟" ولم يتركه حتى قال: "بشار الأسد".
كلما كانت العُصابة الموضوعة على عينيّ تنفلت للأسفل يأتي أحدهم ويضربني ويُحكِم شدّها. وعندما كان أي منا يطلب ماءً يأتي إليه جندي ويرش بعض الماء على رؤسنا ويمنعنا من الشرب. وإذا طلب أي شخص الذهاب للمرحاض كانوا يقولون له: "تبوّل في بنطالك". وبالفعل أخبرني بعضهم لاحقاً أنهم تبوّلوا في بناطيلهم.
كان بالوسع رؤية اللّطخ الكبيرة. أذكُرُ أني سمعت رجلا يتوسل إليهم وهو يبكي قائلاً إنه مصاب بالربو، لكنهم لم يكترثوا.
بقينا جميعنا على هذه الحال، جالسين على رُكبنا، نتعرض للضرب بقسوة والشتائم من الساعة 2 بعد الظهر تقريباً حتى الساعة 5.30 مساءً. وبعدها أمرونا بالوقوف وانتظار تسجيل أسمائنا. وبينما نحن ننتظر، جاء ثلاثة جنود وطلبوا مني ومن أحد أبناء عمي ومن جارٍ لي ومن أحد الأصدقاء الخروج من الصف. أخذ الجنود الثلاثة يضربون كلاًّ منا الواحد تلو الآخر بقطعة خشبية طويلة وسميكة تستخدم عادةً في البناء. قام جنديان بإمساكي بإحكام بينما ضربني الثالث بكل قوته بهذه القطعة من الخشب على رِجْلَيَّ من الخلف. ضربني بهذه الصورة ثلاث مرات وسقطت على الأرض. كان الأمر فظيعاً للغاية.
ثم بعد ساعة من الانتظار لتسجيل أسمائنا، تم اقتيادنا إلى مهجع نوم الرياضيين، والمؤلف من دهليز طويل ذي غرف كبيرة. حشروا العشرات منا في كل واحدة من هذه الغرف. وبينما أنا جالس على ركبتيَّ، علق جسمي بمن كانوا جالسين إلى جانبي. ثم طلب الأمن منا أن نتحرك لكي نفسح المجال لممرات. بالطبع كانوا بحاجة لهذه الممرات حتى يتنسى لهم المرور بيننا والوصول إلينا جميعا وضربنا.
كنت على طرف أحد تلك الممرات، وهذا كان يعني أنه كان بالإمكان الوصول إلي بسهولة وضربي بشدة. لطمني أحدهم بشدة كبيرة جداً على أذني حتى أنني بقيت أسمع طنيناً لأكثر من ساعتين.
كانوا يتقصّدون على الخصوص أولئك الرجال ذوي اللّحى الطويلة (ربما كانوا ينظرون إليهم كإسلاميين معارضين للدولة) في ضربهم.
أحد الرجال ذوي اللحى الطويلة هناك كان بحاراً، وليس إسلامياً. أوسَعوه ضرباً على وجهه حتى نزف كثيراً.كانت العُصابة مرفوعةً قليلاً وعندما أدرت رأسي للوراء استطعت أن أرى. بعد بضع ساعات، أعطونا قليلاً من الماء في المهجع وسمحوا لنا بالذهاب للمرحاض للتبول فقط.
كانت هناك حادثتان خلال توقيفي آلـَمَتاني جداً. الأولى تتعلق بابن عمي. هو أيضا صديقي وكان بين الموقوفين. إبصاره ضعيف كثيراً لدرجة أنه كان شبه أعمى. قال للأمن: "لا أستطيع أن أرى. عندي بطاقة تظهر أن لديّ إعاقات". جاؤوا إليه وبدأوا بضربه بشدة. رأيت الدم يسيل من وراء أذنيه من الجانبين.
أما الحادثة الثانية فتخص صبيّاً ربما كان عمره 15 سنة أو أقل. كان مصاباً بآثار حروق على ظهر إحدى يديه... سألت زملائي الموقوفين مالذي حدث ليده، فأخبروني أن الحروق سبّبَها رجال أمن قاموا بإحراقه مستعملين ولاعة سجائر.
أحد الأطباء وعمره 32 سنة تقريباً ويعمل في مستشفى جمعية البر والخدمات تعرّض للضّرب المبرّح حتى كُسرت يده. قال الأمن إن المستشفى عالج من سمّوهم "إرهابيين".
حكى لي صديقي أنه كان جالساً قرب معلّم مدرسة كنّا نعرفه تمام المعرفة وكان في عقده السادس من العمر. تعرّض للضرب الشديد على الرغم من عمره. أخبرني صديقي أن المعلّم خاطب اثنين من الذين كانوا يضربونه مذكّراً إياهما بأنه درّسَهما في الماضي عندما كانا أصغر سناً. لكنهما لم يكترثا بكلامه أبداً.
عندما كانت الساعة قرابة 11 مساءً، دخل ضابط رفيع الرتبة وأمر بوقف الضرب، فتوقفوا. ولما حان وقت النوم وضع أحد المحتجزين رأسه على وركي، ووضع آخر رأسه على بطني، واضطررت لوضع رأسي على بطن أحد الموقوفين. كان من الصعب النوم بهذا الشكل. لم أستطع النوم بتاتاً.
في اليوم التالي، لم نتعرّض للضرب. قيل لكثيرين مِنَّا إنه سيتم إطلاق سراحنا، لكن آخرين لا يزالون موقوفين حتى يومنا هذا. توجَّبَ علينا المرور على ممثلين عن عدة فروع مخابرات، وتقديم أسمائنا، وإذا لم يكن اسم الواحد منا موجوداً في أيّ من القوائم، سُمح لنا بالمغادرة".
h[fv,kh ugn jv]d] "fahv vfd