ما حكم الله تعالى في من يسخر من أخيه المسلم؟ وهل له جزاء في الدنيا؟ وما الحكمة الإلهية الظاهرة من منع وحرمة السخرية من المسلمين؟
يقول الله تبارك اسمه في القرآن الكريم: [يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهم ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون] الحجرات: 11.
الله سبحانه يعتبر المؤمنين أمة واحدة، وكنفس واحدة، بل يعتبرهم أخوة، وكأنهم من أب واحد ومن أم واحدة فلذلك نجد تلك التعاليم السامية، التي شرفنا بها الإسلام الذي جاء به خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم، تحافظ على سلامة المجتمع الإسلامي لتصونه من كل ما يسبب العداوة والفرقة، ولتبعد عنه كل ما يؤدي إلى التباعد والتنافر، لأنهم في ميزان الشريعة الإسلامية الكاملة أخوة كما نص على ذلك قوله تعالى: [إنما المؤمنون أخوة] الحجرات: 10.
ومن أجل الحفاظ على كرامة المجتمع الإسلامي، نجد الخالق جل علاه يخاطب عباده المؤمنين في هذه الآية الشريفة بوصفهم مؤمنين به وبأنبيائه وكتبه وشرائعه، فينهاهم عن بعض الصفات التي لا يخلو منها كثير من أبناء المجتمع البشري بوجه عام، فيرفع من شأنهم، ويسمو بآدابهم، وينزه أفواههم وألسنتهم بل وحتى بعض حركات أجسادهم عن التعرض لإخوانهم المؤمنين بشيء من السخرية، أو اللمز، أو التنابز بالألقاب المذمومة.
فيخاطب سبحانه أولاً المؤمنين الرجال الذين لهم القدرة على التوجيه في أسرهم، ولهم حق القوامة وحسن الإدارة في بيوتهم فينهاهم عن السخرية لبعضهم فيقول: [يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم] والسخرية داء نفسي يصيب النفس البشرية حينما ترى الكمال فيها والنقص في غيرها: فيسخر الغني من الفقير، والجميل من القبيح، والشاب من الهرم، والمبصر من الأعمى، والكامل من المعاق جسدياً، وكل ذلك إنما يكون بالنظر على هذه الحياة الدنيا الفانية ولكن الله تعالى لا يعتبر ذلك هو الخير والكمال، وإنما يعتبر سبحانه الكمال وكل الكمال في الإيمان والتقوى والعمل الصالح كما قال جل وعلا: [إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير] الحجرات: 13. فليس التفاضل عند الله العظيم بالأمور الظاهرية التي يختبر بها عباده، فلذا يوجهنا سبحانه إلى عالم الحق والغيب لننظر إلى الواقع لا إلى الظواهر الدنيوية الزائلة، فيقول: [عسى أن يكونوا خيراً منهم] فإذا عدلنا عن الظاهر وتطلعنا إلى عالم الغيب فلا يبقى مجال لأن نسمح لأنفسنا باحتقار غيرنا مهما كان فيه من نقص أو عيب، إذ لعله يكون عند الله تعالى خيراً منا ومنزلته أرفع من منزلتنا.
وكذلك يخاطب الله تعالى النساء أيضاً بأن لا تسخر امرأة مؤمنة من أختها في الإيمان مهما كان فيها من نقص أو عيب فقال تعالى: [ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن] فربما تسخر الجميلة من القبيحة، أو الغنية من الفقيرة، أو الكاملة جسدياً من الناقصة في بعض أعضاء جسدها أو غير ذلك، فيوجهها سبحانه لتنظر إلى ما يعتبره الله عنده لا ما يمتحن عباده به في هذه الحياة، فقد تكون المؤمنة المسخور منها أفضل عند الله سبحانه من الساخرة.
ومن جهة أخرى تنبهنا الآية الكريمة إلى حرمة السخرية مطلقاً للمؤمنين والمؤمنات، وكذلك حرم سبحانه علينا اللمز وهو أن يعيب بعضنا بعضاً لعيب يكون عندنا، وحرم جل شأنه أيضاً: التنابز بالألقاب، بأن ينادي مؤمن أخاه المؤمن بلقب مذموم ومكروه، لأن من شأن ذلك كله أن يثير النفوس، ويغرس الأحقاد والكراهية بين الأخوة والأخوات من المؤمنين والمؤمنات، وهذا مما لا يرتضيه الله تبارك اسمه فلذلك حرمه علينا ولم يسمح لأنفسنا بارتكاب مثل تلك الأفعال القبيحة، ليبقى المجتمع الإسلامي مصوناً من كل الصفات المذمومة التي تنزع الألفة والمحبة من قلوب أبنائه.
وتختم الآية الشريفة بالدعوة الإلهية لكل مؤمن ومؤمنة يقترف تلك الأخطاء ويرتكب مثل تلك الذنوب إلى الرجوع لله سبحانه بالتوبة من تلك السيئات، والندم على ما صدر من آثام وموبقات حتى لا يتكرر مثل ذلك الفعل القبيح، والعمل المذموم، لأن من شأن التوبة وحقيقتها الندم على ما صدر من الإنسان من ذنب، ومؤاخذة النفس على ما اقترفته من فعل حرمه الله تعالى، وهذا ما يذكر تلك النفس بفعلها القبيح، ويسجل عليها الخطأ الذي فيه، وينبهها إلى عدم العود ثانية لارتكاب ما صدر منها، لأن حقيقة التوبة الندم على ما مضى وما حدث، والعزم على ترك ذلك الذنب في المستقبل وفي الأزمنة الآتية، وفي ترك السخرية إحياء لباب الفضائل وقتل للرذائل وتمسك بمكارم الدين الحنيف.
منقول للفائدة-----------------اسال اللة ان يرفع شانكم ويؤلف بين قلوبكم
vshgm >>>>ihlm []h