الشاعر المرحوم بأذن الله / محمود غنيم
كان محمود غنيم ـ رحمه الله تعالى ـ من ذلك الرعيل الذي أشرب حب الشعر العربي الجزل، بديباجته الرائعة، وصوره الدافئة، ومعانيه المتألقة، وأخيلته المجنحة، وهو إلى ذلك شاعر مصري أصيل، عذب البيان، سلس العبارة، موسيقي اللفظ.
ولد الشاعر محمود غنيم (1902 ـ1972م) في الريف المصري، وبالضبط في قرية "مليج" وهي إحدى قرى محافظة المنوفية بمصر، وقد عاش وسط أسرة تتمتَّع بسمعة طيبة، عاش الشاعر سبعين عاماً قضاها كلها في كفاح طويل: فقد عاش أليفاً للمحن وخطوب الأيام التي هيأته ليكون في طليعة شعراء العربية وأدبائها فحولة وأصالة وصدقاً والتزاماً.
رائعة الشاعر الكبير محمود غنيم هي من اجمل ماقرأت في رثاء حال ألامه
مالـي وللنــجــم يرعـــــــاني وأرعـاه *** أمســى كلانا يعاف الغـمض جفـناه
لـي فـيــك يا لـيـل آهـــات أرددهــــــا *** أواه لو أجـــــدت المـــحــزون أواه
لا تحـسبنـي محـــباً أشـتكــي وصـبـاً *** أهـّـون بما في ســبيل الحــب ألقـاه
إني تـذكــــرت والــذكـرى مــؤرقـــة *** مجــداً تلــيـداً بأيديــنا أضــــــعــناه
ويـح العـروبـة كان الـكـون مسرحها *** فأصبحـــت تتــــوارى في زوايـــاه
أنّى اتـجـهت إلى الإســـــلام في بـلـد *** تجــده كالـطير مقصـــوصاً جـناحاه
كم صــرّفـتـنا يـدٌ كـــــــنا نـُصـرّفـهـا *** وبات يحــكــمــنا شــعـب ملـكـنـــاه
هـل تـطـــلبون مـن المـختار معجزة *** يــكفــيه شعـب من الأجـداث أحـياه
من وحـد العرب حتى صـار واترهـم *** إذا رأى ولــد المــوتــــــور آخــــاه
وكيف سـاس رعــاة الشـاة مملــكـة *** ما ساسها قيصر من قــبــل أو شاه
ورحـب الـناس بالإســلام حـين رأوا *** أن الإخــاء وأن العـــدل مغـــــــزاه
يا مـن رأى عـمـراً تـكـســوه بردتـه *** والـزيت أدم له والــــكـــوخ مـأواه
يهـتـز كــسرى عـلـى كرسـيه فرقــاً *** من بأســه ومـــلوك الـروم تخـشاه
هي الـشـريعــة عــيـن الله تكـلـؤهـا *** فـكـلــما حــاولوا تشويهها شاهـوا
سـل المعــاني عــــــــنـا إنـنـا عـُرب *** شعـــارنا الـمـجـد يهـــوانا ونهواه
هي الـعــــروبة لـفـظ إن نطـقــت به *** فالشرق والضــاد والإسـلام معـناه
اسـتـرشـد الغـرب بالماضي فأرشده *** ونـحـن كان لـنــــــا ماض نـسيـناه
إنّا مشــينا وراء الغرب نقـبــس من *** ضــــيـائـه فـأصـابتـنا شـظــــــايـاه
بالله سل خلف بحرالـروم عن عرب ***بالأمس كانـوا هنا ما بالهم تاهــوا
فـإن تراءت لك الحــمراء عن كثـب *** فسائل الصرح أين الـمجـد والجــاه
وانزل دمشـق وخاطب صخر مسجدها *** عـمّن بـنـــــاه لـعـل الصـخر ينعـاه
وطـف ببغداد وابحـث في مقــابرهـا *** عــلّ امرأً مـن بـنـي العـباس تلقاه
أين الرشـيد وقد طاف الغــمــام بـه *** فـحـــيـن جاوزَ بـغــــــــداد تـحـداه
هذي مـعـــــالم خـرس كـل واحـــدة *** مـنهن قـامـت خـطـيباً فاغــراً فاه
الله يشــهـد مـا قـلَّـبـت ســـــيرتهـم *** يـومـاً وأخـطأ دمع الـعـين مجــراه
ماضٍ نعــيشُ علـى أنقـاضـه أمــماً *** ونـسـتمد الـقـوى مـن وحيِ ذكراه
إنّـِي لأعــتـبرُ الإســـــــلام جـامعـة *** للشـرق لا مـحــض ديـنٌ سـنّهُ الله
أرواحــــــــــنا تـتلاقـى فـيه خـافـقة *** كالـنحـــــل إذ يـتـلاقـى فـي خـلاياه
دســتوره الوحـي والمخــتار عاهله *** والـمـسـلمون وإن شـتّوا رعـايــاه
لاهُـمَّ قـد أصبحـت أهـواؤنا شـيعـاً *** فـامـنـن عـلـينـا براع أنت ترضـاه
راع يعـيد إلى الإســـــلام ســـيـرتـه *** يرعى بـنـيه وعـــيــن الله تـرعـاه
ahuv ,rwd]i