طاعة
الأئمة من
أصول أهل
السنة (1)
خالد بن سعود البليهد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد واله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن السمع والطاعة للأئمة من أصول أهل السنة والجماعة العظيمة التي أوجبها الله على عباده وألزمهم بها وشدد فيها. قال تعالى.(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). وقال صلى الله عليه وسلم.(على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة). متفق عليه. وفي الصحيحين قال عبادة بن الصامت
بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا). وفي صحيح البخاري: (من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني).والأحاديث في هذه مستفيضة محفوظة عند أهل السنة.
وقد أجمع أهل السنة على هذا الأصل وأكثر الأئمة من بيانه قال الإمام أحمد
والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر). وقال سفيان الثوري لشعيب بن حرب: (ياشعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر). وقال الطحاوي: (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعو عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم ونرى طاعتهم من
طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية وندعو لهم بالصلاح والمعافاة). وقال ابن تيميه
فذلك ما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور ومنا صحتهم هو واجب على المسلم وإن استأثروا عليه وما نهى الله عنه ورسوبه من معصيتهم فهو محرم وإن أكره عليه).
ولم ينقل عن أحد من السلف المعتبرين لا من الصحابة فمن بعدهم مخالفة هذا الأصل أو القول بعدم لزوم الطاعة وجواز الخروج على الأئمة اللهم إلا خلافا عن بعض التابعين وتبع التابعين لكن هذا الخلاف وقع في الفتنة قبل أن تقرر عقيدة أهل السنة والجماعة ثم لما انكشفت الفتنة واتضحت الأمور تقرر هذا الأصل واستقر الإجماع عليه وبينه أئمة السنة وهو الموافق للنصوص الصريحة من الكتاب والسنة وصار ما حفظ من الخلاف اليسير شاذ لا يلتفت إليه لمخالفته للنصوص ومسلك الجماعة. فلا يسوغ لأحد من المتأخرين الاستدلال به. قال ابن تيمية: (ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين). وقال ابن حجر : (وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء).
وإنما شرع الله طاعة الأئمة لما يترتب على ذلك من المصالح والفوائد العامة والخاصة للأمة من اجتماع الكلمة وتوحيد الصف وأمن الطريق وإقامة الشرع وإظهار الشعائر والقيام بمصالح الخلق وغير ذلك. قال الحسن البصري: (هم يلون من أمورنا خمساً: الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود.
والله لا يستقيم الدين إلاَّ بهم، وإن جاروا وظلموا. والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغبطة، وأن فرقتهم لكفر). وقال ابن رجب: (وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم، كما قال على بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الناس لا يصلحهم إلا إمام، برُّ أو فاجر؛ إن كان فاجراً عبد المؤمن فيه ربه وحمل الفاجر فيها إلى أجله). ولا يعرف قدر هذه النعمة إلا من فقدها ووطأ بقدميه حر جمر فتنتها.
والإمام الذي تلزم طاعته من كان منتسبا للإسلام مظهرا لشعائر الدين اختاره أهل العدل والفضل أو غلب على المسلمين بسيفه وقهرهم بسلطانه.قال الإمام أحمد: (ومن ولي الخلافة واجتمع الناس عليه ورضوا به وما غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين). وهذا محل إجماع بين أهل السنة.ولا عبرة بمن خالفهم وشذ عن المعتزلة وغيرهم من أهل البدع. قال الأشعري في رسالته أهل الثغر: (وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين وعلى أن كل من ولي شيئا من أمورهم عن رضى أو غلبة وامتدت طاعته من بر وفاجر لا يلزم الخروج عليه بالسيف جار أو عدل ،وعلى أن يغزوا معه العدو، ويحج معهم البيت،وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها ويصلى خلفهم الجمع و الأعياد).
والمؤمن السني يتعبد الله عز وجل بطاعته للإمام رجاء ثوابه وخشية من عقابه ولا يفعل ذلك رجاء لعطاء الحاكم وخوفا من سطوته ولا يجعل بيعته وطاعته في مقابل عرض الدنيا. ولذلك ورد الوعيد. فيمن بايع لأجل الدنيا ثم غدر في بيعته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك ، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه منها لم يف). متفق عليه.
وإنما تجب طاعة الإمام في المعروف وتحرم في المعصية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ طاعة فِي معصبة الله إنما الطاعة في المعروف). متفق عليه. فإذا أمر الحاكم بأمر ليس فيه منكر سواء كان مشروعا أو مباحا وجب طاعته في ذلك وحرم مخالفته. أما إذا أمر بمعصية فلا تجوز طاعته في هذه المعصية فقط ويطاع فيما سوى ذلك
وطاعة الأئمة من أعظم ما يميز أهل السنة فهو شعار لهم لأنهم يدعون إلى الألفة والجماعة وائتلاف الكلمة وهذا من خصائصهم. أما أهل البدع كالخوارج والمعتزلة والرافضة وغيرهم فشعارهم الذي يميزهم الطعن في الأئمة والخروج عليهم واستباحة المسلمين ولذلك قال البربهاري: (واعلم أن الأهواء كلها ردية، كلها تدعوا إلى السيف). ومراده أن كل صاحب بدعة تؤول به بدعته وتفضي به إلى التعصب لها ومخالفة الجماعة والخروج على إمامهم. قال ابن تيمية: (أهل البدع من الخوارج والشيعة والمعتزلة وغيرهم يرون قتال أئمة الجور ، والخروج عليهم إذا فعلوا ما هو ظلم أو ما ظنوه هم ظلماً ويرون ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
وطاعة الإمام من سلامة صدر المؤمن ونصحه وحبه المسلمين وإرادة الخير لهم لأنه قدم مصلحة الجماعة في الأثرة على مصلحته الخاصة ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمور ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم). رواه الترمذي وصححه. فالمؤمن لا يبغض قلبه ولا يكره هذه الخصال الثلاث التي يرضاها الله ورسوله وفيها صلاح العباد والبلاد.
وظلم الحاكم وفسقه وجوره لا يسوغ أبدا شرعا عصيانه وترك طاعته ونزع يد الطاعة عنه ولو ظلم وأسرف واستأثر بأموال العباد وأنزل الضر بهم فعن سويد بن غفلة قال قال لي عمر بن الخطاب : (لعلك أن تخلف بعدي فأطع الإمام وإن كان عبدا حبشيا وإن ضربك فاصبر وإن حرمك فاصبر وإن دعاك إلى أمر منقصة في دنياك فقل سمعا وطاعة دمي دون ديني). رواه الآجري بإسناد صحيح. وفي مسند أحمد عن حذيفة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإن كان لله يومئذ في الأرض خليفة جلد ظهرك وأخذ مالك فالزمه). وفي حديث عبادة: (اسمع وأطع فِي عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة علينا وإِن أكلوا مالك وضربوا ظهرك إِلا أن يكون معصية). رواه ابن حبان واصله في الصحيحين. فالواجب على المسلم حينئذ الصبر على ظلمهم وطاعتهم في الحق ونصحهم ومطالبتهم بالحقوق بالمعروف فإن قبلوا وإلا احتسب الثواب وفوض الأمر لله ورجا ما عنده من الوعد كما ثبت في الصحيحين لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أمراء تعرفون وتنكرون قال له الصحابي فما تأمرنا: قال: (أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم).
ومن اعتقد أن ظلم الحاكم سبب شرعي لنزع الطاعة والخروج عليه فقد أخطا وخالف السنة الصريحة ومذهب أئمة السلف ووافق المعتزلة والخوارج في مذهبهم ولا يسوغ له الاحتجاج بقتال بعض أهل الديانة والقراء في الفتنة لأن الأمر اشتبه عليهم وهم مخطئون في اجتهادهم وقد أنكر عليهم وعارضهم غيرهم من الأئمة ولا تعارض السنة المتواترة والإجماع بأفعال الناس. ومع ذلك فإن هذه الفتن التي وقعت في صدر الإسلام لها ملابسات وأحوال تخفى علينا فهي من المتشابه الذي يرد إلى المحكم من النصوص والقواعد الشرعية. قال عمرو بن يزيد صاحب الطعام : سمعت الحسن أيام يزيد بن المهلب يقول : وأتاه رهط فأمرهم أن يلزموا بيوتهم ، ويغلقوا عليهم أبوابهم ، ثم قال : والله لو أن الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم صبروا ما لبثوا أن يرفع الله عز وجل ذلك عنهم ، وذلك أنهم يفزعون إلى السيف فيوكلون إليه ، ووالله ما جاؤوا بيوم خير قط ، ثم تلا : (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون).
ويحرم الخروج على الأئمة والطعن فيهم وتحريض الرعية على ذلك بقول أو فعل أو دلالة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة). رواه مسلم. والخروج عليهم من فعل أهل الجاهلية كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية). رواه مسلم . قال الإمام أحمد مبينا ضلال وبدعة الخروج على الأئمة
ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وضع كان بالرضا أو بالغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فان مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية. ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق).
وإنما يباح الخروج على الإمام بشروط:
1- أن يكون الحاكم مظهرا للكفر معرضا عن الشريعة معاندا تاركا لإظهار الشعائر من صلاة وغيرها.
2- أن يكون هذا الكفر ظاهرا بينا لا يختلف فيه أهل العلم الراسخين العارفين بدلالات الكتاب والسنة ولا عبرة بكلام الجهال وأهل الطيش والفتنة. ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت قال: (دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان). وفي صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم
قيل: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف فقال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يداً من طاعة).
3- أن يكون لأهل الحق قوه وقدرة ظاهرة ولهم غلبة ورأي مطاع في الناس.
4- أن يغلب على الظن ألا يترتب على ذلك شرا أعظم وفسادا أكبر وتتحقق المصلحة الكبرى للأمة.
والدليل على ذلك أن من قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتفق عليها أن لا يترتب على إزالة المنكر منكرا أعظم منه ولا يدفع الشر بشر أعظم منه ولذلك ترك النبي صلى الله عليه وسلم إصلاح بعض الأمور في الأمة مخافة ترتب مفسدة أعظم ونهى الشارع عن سب آلهة المشركين خشية سب الله عز وجل. ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه وهو يخطب: (يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنهما السبيل في الأصل إلى حبل الله الذي أمر به وأن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة).
ومن تأمل في هذه الشروط علم أنه يصعب تحققها ويتعذر في غالب الأحوال على مر العصور. وعلم أنه يترتب على الخروج على الإمام دائما الشر والفتنه واستباحة الدماء وانعدام الأمن كما هو معلوم و ومشاهد في الماضي والحاضر وكثير من الحركات باءت بالفشل وألحقت بالمسلمين الويلات والشرور. وما من قوم خرجوا على إمامهم إلا وكانت حالهم بعد خروجهم أسوأ وأعظم فتنة وفسادا من حالهم قبل ذلك.قال ابن تيمية مقررا هذا المعنى: (وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ فلا يجوز أن يزال لما فيه من ظلم وجور كما هو عادة أكثر النفوس تزيل الشر بما هو شر منه وتزيل العدوان بما هو أعدى منه فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم فيصبر عليه كما يصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ظلم المأمور والمنهي). وقال: (قل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير). وقال ابن عبد البر: (فالصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه لأن في منازعته والخروج عليه: استبدال الأمن بالخوف وإراقة الدماء وانطلاق أيدي الدهماء وتبييت الغارات على المسلمين والفساد في الأرض، وهذا أعظم من الصبر على جور الجائر). وعلى هذا كان تصرف وتطبيقات أئمة السنة. قال أبو الحارث أحمد الصائغ: (سألت الإمام أحمد ابن حنبل في أمر كان حدث في بغداد وهم قوم بالخروج فقلت يا أبا عبد الله ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول سبحان الله الدماء الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يسفك فيها الدماء ويستباح فيها الأموال وينتهك فيها المحارم أما علمت ما كان الناس فيه يعني أيام الفتنة قلت والناس اليوم أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله قال وإن كان فإنما هي فتنة خاصة فإذا وقع السيف عمت الفتنة وانقطعت السبل الصبر على هذا يسلم لك دينك خير لك).
وينبغي للمؤمن أن يكون ناصحا لإمامه حريصا على حصول الخير والسلامة للمجتمع كما في صحيح مسلم تميم الداري قال رسول الله .(الدين النصيحة ثلاثا قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.). وفي حديث آخر
وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم). رواه مسلم.
ومن النصيحة للإمام الدعاء له قال الفضيل ابن عياض
لو أن لي دعوة مستجابة ما صيرتها إلا في الإمام قيل له وكيف ذاك يا أبا علي قال متى صيرتها في نفسي لم تجزني ومن صيرتها في الإمام يعني عمت فصلاح الإمام صلاح العباد والبلاد). فقبل ابن المبارك جبهته وقال: يا معلم الخير من يحسن هذا غيرك. وقال الإمام أحمد: (وإني لأدعو له يعني الإمام بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار والتأييد وأرى ذلك واجبا علي). وهذا يدل على سلامة قلوب السلف ونصحهم للأئمة.
والمشروع في نصيحة الإمام وتوجيهه الإسرار بالنصيحة وعدم الجهر والرفق والتلطف معه لتكون أحرى في القبول وأبعد عن الفتنة وتتحقق المصلحة بذلك لما روى ابن أبي عاصم وغيره عن عياض بن غنم رضي الله عنه قال : قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية وليأخذ بيده فإن سمع منه فذاك وإلا أدى الذي عليه). وفي الصحيحين لما قيل لأسامة بن زيد ألا تدخل على عثمان لتكلمه فقال: (أترون أني أكلمه إلا أسمعكم والله لقد كلمته في بيني وبينه من دون أن أفتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه).
أما إظهار معايب السلطان ونصحه فوق رؤوس المنابر فمسلك مخالف للسنة وطريق للفتنة وشعار لأهل البدع وفتح بابا من الشر لا يمكن إغلاقه لأن ذلك يوغر صدور دهماء الناس وجهالهم فتشتد غيرتهم ويسيئون الظن فيسرعوا للتكفير والخروج يريدون الإصلاح فيفسدون من حيث لا يشعرون لأنهم لا يضعون الأمور في نصابها. قال شيخنا ابن باز رحمه الله: (ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر لأن ذلك يفضي إلى الانقلابات وعدم السمع والطاعة في المعروف ويفضي إلى الخروج الذي يضر ولا ينفع ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان والكتابة إليه أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير وإنكار المنكر يكون من دون ذكر الفاعل فينكر الزنى وينكر الخمر وينكر الربا من دون ذكر من فعله ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن فلانا يفعلها لا حاكم ولا غير حاكم. .....ولما فتحوا الشر في زمن عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان جهرة تمت الفتنة القتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية وقتل عثمان وعلي بأسباب ذلك وقتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علناً حتى أبغض الناس ولي أمرهم وحتى قتلوه نسأل الله العافية).
فاستمسك أيها المؤمن بطاعة الإمام الشرعي وطب بذلك نفسا تعبدا لله وكن من المتبعين للسنة ومذهب السلف وإن منعت حقك وكنت مظلوما واعلم أن طاعة الإمام صمام للأمان في المجتمع يحصل بها الاستقرار ويتحقق الأمن والسلامة من الفتن وتحقن بها دماء المسلمين ، وإياك أن تنخدع وتغتر بكلام المخالفين في هذا الباب المهونين لشأنه واسأل ربك الثبات على السنة حتى تلقى ربك.
خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
22/10/1431
'hum hgHzlm lk Hw,g Hig hgskm l,q,u ',dg g;k ,hggi lhjk]l hk; rvhxji