إن من أهم العبادات التي يغفل عنها بعض الناس عبادة الدعاء، تلكم العبادة التي من أهم الأمور، بل لا يستغني عنها العبد بحال، فالمسلم محتاج إليها في حالة السراء والضراء وكلما أكثر الإنسان منها زاد قربه من
الله سبحانه وتعالى وقوي إيمانه ورق قلبه وظهر جلده وعزمه، واستنصر على أعدائه من شياطين الجن والإنس.
إلى أين يلجأ المسلم إذا استحكمت عليه الأزمات واشتدت عليه حبالها، وإلى أين يهرب إذا كثرت عليه الصعوبات واشتدت عليه الكربات وأعطته الدنيا من أدبارها كما أعطته من إقبالها.. أم إلى أين يلتجئ إذا اشتد به المرض وكثر منه الأنين وإلى أين يذهب إذا أغلقت في وجهه الأبواب لا شك أنه ليس أمامه إلا باب واحد هو باب الله تعالى المفتوح في كل وقت وحين.
إن العبد إذا كان على صلة مستمرة بربه سبحانه وتعالى يرفع يديه ويسأله في كل وقت وحين فإنه يجد الراحة النفسية والاطمئنان القلبي
وتيسير الأمور الدينية والدنيوية،ويحس أن الأبواب أمامه مفتوحة الصعب سهل، إننا بحاجة ماسة إلى هذا الجانب في كل وقت وفي كل حين فلا نغفل عنه بحال.
ولا نكن كبعض الناس الذين إذا دعا ربه عدة مرات ترك الدعاء وقال إن الباب مغلق فلن يستجاب لي.. إن هذا مفهوم خاطئ فأنت ما تعلم ما خبأه الله لك ولا ما منعه عنك وربما كان الدعاء الذي رفعته فيه خلل أو اعتداء أو لم تتوفر فيه شروط الدعاء وآدابه، وإما إن سألت عن شروطه وآدابه فنبينها كالتالي:
أولاً: إخلاص الدعاء لله سبحانه والتوجه الصادق إليه وأن يحسن الظن به ويدعوه بقلب خاشع موقن بالإجابة يقول تعالى {قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون }، وقوله {فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون } ويقول سبحانه وتعالى {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب من المحسنين } ويقول سبحانه : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين}
فتأمل في الدعاء الذي ترفعه إلى الله تعالى هل توفر فيه ما أشارت إليه الآيات الكريمات، من الإخلاص وإقامة الوجه لله والخوف والرغبة والرهبة وإحسان الظن بالله تعالى.
ثانياً :عدم الاعتداء في الدعاء، فلا يكون مرتكباً للمعاصي والآثام تاركاً للأوامر فاعلاً النواهي ولا يسأل أمور مستحيلة يقول تعالى {ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين } وعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر وإن الرجل ليحرم الرزق بذنب يصيبه )) رواه الحاكم في صحيحه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ((يستجاب للعبد ما لم يدع بآثم أو قطيعة رحم )).
ثالثاً :عدم الاستعجال فينبغي أن يصبر ويكون على ثقة بالله تعالى ولا يعجل فيحصل منه سوء ظن بالله تعالى فلا يستجاب له.. ورد عن أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى: (( أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني )) الحديث رواه البخاري ومسلم.
رابعاً :الابتعاد عن أكل أو شرب أو لبس المشتبه فيه، و المحرم، لما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى{ يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك )) رواه مسلم.
خامساً :أن يدعو بقلب حاضر غير متشاغل ولا لاه فإن القلب الغافل اللاهي لا يعي ما يقول وتشاغله عن المدعو دليل على ضعف يقين الداعي وعدم توقيره وتعظيمه للمدعو وهو الله سبحانه وتعالى. ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يقبل من قلب غافل لاه)) رواه الترمذي.
سادساً:أ لا يدعو بأمر قد مضى فيه قدر الله الكوني، أو بالمستحيلات. كان يسأل الله ألا يميته أو يدعو بأن يحصل له معجزة من خوارق العادات أو الاطلاع على شيء من الغيب ونحو ذلك، فإن ذلك من الاعتداء المنهي عنه بالقرآن الكريم ومن آداب الدعاء وشروطه
1. تحري أوقات الإجابة ومواطن الاستجابة ومنها ثلث الليل لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول من يدعوني فاستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فاغفر له).
2. عند الأذان لما ورد عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله اثنتان لا تردان، الدعاء عند النداء)) رواه أبو داود. وفي رواية ((قل ما يقولون فإذا انتهيت فسل تعطه )).
3. بين الأذان والإقامة: لما ورد عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة)) قالوا فماذا نقول. قال ((سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة)).
4. عند صعود الإمام يوم الجمعة لما ورد عن أبي بردة قال لي عبد الله بن عمر أسمعت أباك يحدث عن رسول الله في شأن ساعة الجمعة قال قلت نعم سمعته يقول، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة)).
5. في حال السجود، لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم )) رواه مسلم. وفي حديث آخر، قرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء)) رواه مسلم. ولأن الساجد في حالة ذل وانكسار بين يدي الله تبارك وتعالى حيث وضع جبينه على الأرض خضوعاً وإجلالاً وتعظيماً لربه سبحانه وتعالى.
6. بعد الصلوات المكتوبة، وبعد الشرب وعند التحام القتال للأحاديث الواردة في ذلك.
7. وفي يوم عرفة، لما ورد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبد، من النار من يوم عرفة)) رواه مسلم.
8. العزم في المسألة فلا يخير الله تبارك وتعالى في الدعاء فإنه لا مكره له سبحانه،إذا أراد الله شيئاً فعله ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم((إذا دعا أحدكم فلا يقل الله اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت اللهم ارزقني إن شئت وليعزم مسألته )) الحديث رواه البخاري وللحديث بقية
(hg]uhx ,H,rhj hgh[hfm fH`k hggi )