أحبتي هذا الموضوع ليس الا لتسليط الضوء على لقطات معينة احببت أن تروها معي ومن له اضافة فعلي الرحب والسعة المجال مفتوح للكل والعذر من أخي وصديقي
سلطان الغنامي فقد تسللت الى عالمه دون علمه .
مايدهشني فيه كشاعر انه يقذف بك في عمق النص من دون ان تشعر انت كقاريء ، يلبسك وشاح الوعي عند الاستمرار في متابعته , على المستوى الانساني ارى أنه عادي جدا بسيط ولاتشعر عند رؤيته والحديث معه أنك تتحدث مع شاعر فيلسوف بل مع بدوي لايعرف من الشعر سوى كلمة شعر ،،
يراوغني كثيرا ابا ديما عند الحديث معه عن الساحة الشعرية بل احيانا يسرقني من موضوعي الى عوالم اخرى لااشعر حينها الا وقد خضت الحديث معه وسرت معه في نفس السياق وهذه مهارته التي عرفتها منذ اول يوم التقيته فيه، رددت شعرا كثيرا لنزار والسياب والنواب ،، حفظت كثيرا لنايف صقر ومساعد الرشيدي ،، قرأت اكثر من ذلك لشعراء من هذا الجيل ولكنني مازلت احاول سبر اغوار سلطان الغنامي بحكم قربي منه لمعرفة حال الشعر والشعراء في جيل التطور والنهضة , يقول : تريد الشعر فاذهب اذن الى الشارع فهو الشاعر بكل مايمر به وهو المعبر الوحيد عن حال الشعر والناس والمترجم الوحيد للغة هذا العصر .
كل ما أردته في هذا الموضوع هو تسليط بعض الضوء على بعض الابيات التي احس حين قراءتها انني أمام تجربة شعرية مميزة بل نادرة لرجل يملك نقلنا الى صوره بكاميراه الخاصة فليعذرني صديقي سلطان وليعذرني القراء الأعزاء .
كتب سلطان الغنامي ذات مساء :
تخيل الدنيا ورى تل اخضر ... كوخٍ صغير وداخل الكوخ فانوس
قارب ونهر ولحظةٍ ماتكرر .... وانتم على جال النهر مغرب جلوس
انت ومناة الروح وحدك تصور... لابهذلة عيشة ولاحاجة فلوس
وأقول : أننا هنا في حضرة شاعر يملك مخيلة فنان تشكيلي حتما ولكن قل أن تجد من شعراء جيله من ينقلك معه بكل هذه البساطة الى هذا الجوً الذي تحس أنك في حاجة ماسة اليه تحلم به لكن كيف تعبر عنه ! تشعر للوهلة الاولى أنك انت من كتب هذه الابيات ورسم هذه اللوحة البسيطة العفوية المعبرة عن حال الدنيا والدنيا كثيرا مايكررها سلطان في شعره وهو هنا يشير الى الحال أو الظرف النفسي الذي يمر به في تلك اللحطة .
ويقول في قصيدة أخرى :
سهيت ومرت الدنيا سراج وبيت طين .. .. وسحنة شايب عرشه ظهور الصافنات
ركزوا معي في سهيت والتي اتسنتجت انها لاتعني النسيان بتاتاً بل القفز من حاضر إلى ماضي والتذكر , مع أن المفروض أن تستخدم المفرده عند النسيان إو السهو عن شيء حاضر , والحقيقة أن عندما تسهو فأنت تتذكر في نفس الوقت لكن من والى زمنين متغايرين .
ومرت الدنيا .. عاد الزمن مع أنه ماضي ولكنه قادم بمروره وكأن الشاعر هنا في زمن المستقبل ينتظر مرور الدنيا والتي يقصد بها الشاعر هنا الحياة كلها بماتحمل معها من تفاصيل .
سراج : الذاكرة تضيء فهناك حدث ما اشعل الذاكرة فاتحا المجال لأشعة الروح بالتدفق عبر الزمن .
وبيت طين : هنا البيت يا سادة هو الانسان والانسان كما هو معلوم مخلوق من طين وهذا السراج يعيد اليه الحياة بالاضاءة من يستطيع ان يسخر اللغة والظرف الزمني بمثل هذا السياق ليجبرك على ملاحظته بهذا الشكل ومن هذا الناحية الانسانية أو الحرفنة التصويرية المبدعة .
الذاكرة / سراج و الانسان / بيت طين
وفي موضع اخر في قصيدة له اخرى يقول :
تخيل كم سنة مرّت وانا واقف على الشباك ...... وعيني لآخر الشاعر توديني وتنساني .
تخيّل : تستخدم لتصوير غير المعقول والاقناع باستيعابه .
هل يعقل أن يقف انسان ما على شباك أكثر من ساعة او ساعتين غير معقول لكن انظر معي عزيزي القاريء إلى الشطر الأخر من البيت : وعيني لاخر الشاعر توديني وتنساني !
عين الشاعر هنا هي : ذاكرته التي من خلالها يرى الاشياء في زمن غير هذا الزمن عبر شباك الروح وسبر نفسه ،والشارع هنا : مدى هذا العمر الذي قضاه الشاعر في انتظار حبيبته اذن نستنتج هنا أن الذاكرة عين والعمر شارع يمر به الكثير و الانسان نفسه هو هذه المدينة التي تقبع وراء شباكه . وهنا يجب التركيز والنظر في مفردة (على) ماذا قصد بها الشاعر .اتوقع انه قصد بها انه يقف على نفسه هو . وينظر اليها من فوق من مكان خفي لايحسن الكثير من الناس الوصول اليه لرؤية انفسهم .
تتوه مسافرة بين الوجيه وودها تلقاك ....... ولا تلقاك وامسح دمعها بسكات والقاني .
وهذا ما يؤيد كلامي أن العين هي الذاكرة ...تبحث في خفايا الزمن عن وجه انسان من خلال تقليبها لألبوم صور من قابلهم شاعرنا ولاكنها لاتجد الصورة بل تجد الانسان الشاعر نفسه في ذاكرته في حالة حب شفافة تتجلى في مابعد هذا البيت من تلك القصيدة .
وفي قصيدة أخرى بعنوان صمت الجليد والتي اجزم انها ظلمت من قبل الشاعر نفسه قرأت هذا البيت :
الضحى شيخ منهك مرّ عابر مسار .... والوصية غروب الشمس لاشقى حفيد
هنا الزمن ايضا ولكن بصورة اخرى وهيئة مسنّ مرّ به العمر سريعا وهي فترة زمنية تعبر عن طفولة الشاعر في ظني وهي بداية العمر أي أن الضحى فترة من فترة النهار .. المضيء المتفائل والطفولة كذلك .
وبماذا اوصى هذا الضحى! فغروب الشمس افول شيء ما ونهايته التي آلت بلا شك الى هذا الحفيد أي : الانسان
والزمن يولد الانسان من منظور الشاعر وهي فلسفة خاصة احترمها واختلف معه في جوانب اخرى منها .
رجّع الحب (منهل) لايفوت القطار ... لاتموت الحكاية تحت صمت الجليد
ادركنا أن الحب هو منهل تستقي منه الروح لكن ماذا يختبيء تحت الجليد فلا يتضح من الجليد الا سطحه
وانا اقول أن الانسان مخلوق من ماء وقع هنا تحت وطأة برد المشاعر ينتظر ردة فعل انسان اخر أو بالاحرى عودة مسافر ما من زمن ما.. قد يكون الزمن وقد يكون الانسان والطرف الاخرفي هذه القضية .. أو قد يكون الشاعر نفسه هو من ينتظر نفسه .فكل قطار دليل على ذهاب أو إياب بلا شك .
في نص قصير اسمه آه يقول :
راح للركن البعيد ..وفارق الجلاس
للظلام ..او لـ الألم ..او كركبة دنياه
راح في سمعه .. نزيف ..ورنتين اجراس
يعتذر من نفسه لنفسه .. يلمّ اخطاه
واختفائه عن عيون الناس .. كان احساس
بالتوحد مع "جنونه" ..او .. شغف جوّاه
كان يستلقي بذاكرْته .. ويعطش ناس
ينسكب ذهنه.. وتتساقط صور .. ذكراه
كان موعد ..يشتعل به..وارتعاش انفاس
زي لحظة .غاب عن وعيه ..وعاد بــ آآآه
ايضا يذكر شاعرنا الدنيا في هذالموضع وبرؤية اخرى فقوله : كركبة تعبير عن فوضى يعيشها وتشتت لكيفية البدء في الاقلاع الى ذاكرته مرة اخرى من ارض الحاضر والدليل :
اختفاءه عن عيون الناس لـ يتوحد ويلتحم مع ذاته على انفراد والذاكرة هي لبعض العباقرة مصدر حنون
كان يستلقي بذاكرته : لكم ان تتخيلوا هذا الجنون
ويعطش ناس : تعبير لم اسمع به من قبل وهي حاجة نفسية ماسة للعيش في زمن اخر مع اناس اخرين.
ينسكب ذهنه : بداية عملية للدخول في عالمه الخاص ( الذاكرة )
تتساقط صور ذكراه : مطر من خيالات بشر واشكال تتوافد من الماضي الى الحاضر .هطول صور الاخرين وبحث الشاعر عن المفقود الذي يتمنى أن يجده .
كان موعد : تبييت نية الانتقال وارتعاش الانفاس ناتج عن الجهد النفسي للقيام بهذه العملية
زي لحظة : لم يقل لحظة ولاكن شبه لحظة وقد تختلف مدة هذه اللحظة بالنسبة للشاعر ابان مكوثه في عالم الذاكرة
والعودة أتت بحمل كبير وثقيل وآآآآآه حقيبة السفر الموجعة .ماذا وجد هناك وبمن التقى لانعلم فله عوالمه الخاصة وله طقوسه التي لايعرفها سواه .
هناك من زاوية اخرى التقط مايلي :
"وانا مِتْرامي بذاكِرْتي
اتأمل وجيه الناس
ادوّر بينهم وجهي
عساي بمرة القاني
ولا القى غير فقدان
وضجر واحساس
بأن العالم الفاني
ظلام وحي مهجور
ورنين اجراس"
العالم الفاني : الماضي أو المفقود .عودة الى الشعور بحاجته الماسة لشيء ما في زمن ما .
ذاكرة اخرى واناس اخرين وتأمل للبحث عن الانسان والزمن معاً يتضح ذلك في أنه وجد الزمان في نفس المكان (ظلام وحي مهجور) ورنين اجراس ولرنين الاجراس في شعر سلطان الغنامي حضور طاغي برمزية مسيطرة على الحالة الشعرية لديه قد اتطرق لها لاحقا كمفردة تغيرت بتغير القصائد التي اتت ضمن ابياتها
تحياتي لسلطان واحترامي له ولشعره ولتجربته الفريدة ولانسانية حرفه والمجال مفتوح لاضافة احبته هنا .
مايريدون وغرس قنايدل افكارهم معي في هذا المتصفح .
عبد الله الحربي
لحفظ الحقوق : منقول
;hldvh sg'hk hgykhld