بعضٍ من وصايا الشيخ الشيعي محمد مهدي شمس الدين للشيعه وهو في مـرض الموت
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
نبدأ في هذه الليلة، في الساعة الرابعة وعشر دقائق من سحر ليلة الإثنين، الخامس والعشرين من شهر كانون الأول لسنة 2000 ميلادية، وهو سحر ليلة الاثنين في التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك لسنة 1421 هجرية،
وأنا في باريس، في منزل الأخ المحسن النبيل محمد مهدي التاجر،
أتلقى العلاج من داء السّرطان وأسأل الله أن يجعله ناجعاً وشافياً…
أبدأ بإملاء هذه الوصايا السياسية والاجتماعية والثقافية والعلمية، لعل الله يجعل فيها
نفعاً للناس عامة، وللمسلمين خاصة، ولخصوص أتباع خط “أهل البيت” بوجه خاص.
إلى عموم الشيعة في مختلف الأوطان
وأبدأ هذه الوصايا بوصيتي إلى عموم الشيعة:
أوصي أبنائي إخواني الشيعة الإمامية في كل وطن من أوطانهم، وفي كل مجتمع من مجتمعاتهم،
أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وأن لا يميزوا أنفسهم بأي تميز خاص،
وان لا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً يميزهم عن غيرهم، لأن المبدأ الأساس في الإسلام ـ
وهو المبدأ الذي أقره أهل البيت
المعصومون عليهم السلام ـ هو وحدة الأمة، التي تلازم وحدة المصلحة،
ووحدة الأمة تقتضي الاندماج وعدم التمايز.
وأوصيهم بألاً ينجروا وألاً يندفعوا وراء كل دعوةٍ تريد أن تميزهم تحت أي ستار من العناوين،
من قبيل إنصافهم ورفع الظلامة عنهم، ومن قبيل كونهم أقلية من الأقليات لها حقوق غير تلك الحقوق
التي تتمتع بها سائر الأقليات.إن هذه الدعوات كانت ولا تزال شراً مطلقاً،
عادت على الشيعة بأسوأ الظروف الشيعة يحسنون ظروف حياتهم ومشاركتهم في مجتمعهم
عن طريق اندماجهم في الاجتماع الوطني العام، والاجتماع الإسلامي العام، والاجتماع القومي العام،
ولا يجوز ولا يصح أن يحاولوا ـ حتى أمام ظلم الأنظمة ـ أن يقوموا بأنفسهم وحدهم
بمعزل عن قوى أقوامهم بمشاريع خاصة للتصحيح والتقويم، لأن هذا يعود عليهم بالضرر
ولا يعود على المجتمع بأي نفع. وقد جرت سيرة وسنة أهل البيت (عليهم
السلام) على هذا النهج، ووصايا الإمام الباقر والإمام الصادق وغيرهما من الأئمة (عليهم السلام)
هي على هذا النهج. فقد ظهرت في العقدين أو العقود الأخيرة من السنين ظاهرة
في دائرة الشيعة العرب بشكل خاص، وبدائرة الشيعة بوجه عام،
وهي إنشاء تكتلات حزبية سياسية بوجه خاص لغرض المطالبة بحقوق الشيعة،
أو إظهار شخصية الشيعة، أو الدفاع عن حقوق الشيعة.
وهذه التكوينات ـ بحسب رصدنا لما آلت إليه ـ لم تؤد إلى أية نتيجة تذكر، بل أدت
إلى كثير من الأزمات، وعمّقت الخوف والحذر وسوء الظن والتربص في أنفس
بقية المسلمين في المجتمع من خصوص طائفة الشيعة، وسعت نحو عزلهم بشكل
أو بآخر عن الحياة العامة وعن التفاعل مع نظام المصالح العامة.
هذه التكوينات ـ تارة يراد لها أن تكون تكوينات ثقافية محضة،
وهنا يجب ألاّ يغلب عليها طابع المذهبية التمايزية، وإنما يجب أن تنطلق من رؤية وحدوية إلى
الأمة، تعتمد على الجوامع المشتركة ـ وما أكثرها ـ التي تجمع المسلمين
فيما بينهم ولا تركز على خصوصيات التمايز وعلى خصوصيات التباين… وإما أن تكون
تجمعات سياسية أو اقتصادية وهذا أمر لا يجوز في نظرنا أن يتم بوجه من الوجوه
على الإطلاق. وقد ثبت بالتجربة أن التجمعات الشيعية المعاصرة،
من قبيل “حزب الدعوة” وغير “حزب الدعوة”، لم تستطع أن تحقق لنفسها
بعداً إسلامياً داخل الطوائف والمذاهب الأخرى، وإنما حققت في أحسن
الأحوال تعايشاً هشاً مشوباً بالشك والحذر.
في هذا الصدد، وإذ أوصي الشيعة اللبنانيين بالخصوص في لبنان،
وأوصي المسلمين جميعاً شيعة وسنة بهذا الخصوص في لبنان،
فإن وصيتي الثابتة للشيعة العرب في كل وطن من أوطانهم، وللشيعة
غير العرب خارج إيران (إيران هي دولة قائمة بنفسها)… أوصي الشيعة في كل مجتمع
من مجتمعاتهم، وفي كل قوم من اقوامهم، وفي كل دولة من دولهم، ألا يفكروا
بالحس السياسي المذهبي أبداً، وألا يبنوا علاقاتهم مع أقوامهم ومع مجتمعاتهم
على أساس التمايز الطائفي وعلى أساس الحقوق السياسية والمذهبية.
المطلوب من الأنظمة التي تضم مجموعات متنوعة أن تعترف بالهوية الدينية
والمذهبية لكل مجموعة من المجموعات.
وأما بالنسبة إلى الموضوع السياسي، فأكرر وصيتي الملحة بأن يتجنب الشيعة
في كل وطن من أوطانهم شعار حقوق الطائفة والمطالبة بحصص في النظام.
وأوصيهم وصية مؤكدة بألا يسعى أي منهم إلى أن ينشئ مشروعاً خاصاً للشيعة
في وطنه ضمن المشروع العام، لا في المجال السياسي أو الاقتصادي أو التنموي.
أوصيهم بأن يندمجوا في نظام المصالح العام، وفي النظام الوطني العام،
وأن يكونوا متساوين في ولائهم للنظام، والقانون، وللاستقرار،
وللسلطات العامة المحترمة. تُرتكب مظالم بطبيعة الحال من بعض الأنظمة
في حق فئات الشيعة. هذه المظالم يجب أن تدار وتساس بحكمة.
لا أوافق ولا أرجح أن تقوم حركات احتجاجية شيعية محضة. كل حركة سياسية احتجاجية
أو مطلبية للشيعة تكون محقة، يجب أن يبحثوا بكل السبل عن أن يكون لهم شركاء
فيها من أقوامهم وشعوبهم والجماعات السياسية التي ينتمون إليها. وأكرر وصيتي لهم
ألا ينشئوا أية مواجهة أمنية أو سياسية مع أي نظام من الأنظمة.
طبعاً هناك بعض الاستثناءات الشاذة، والتي أبرزها الآن أمام أعيننا استثناء العراق.
العراق يعتبر حالة شاذة، والحركة السياسية المطالبية الموجودة فيه ليست في الحقيقة
حركة الشيعة، إنما هي حركة الشعب العراقي. ولذلك فإن وصيتي بالنسبة إلى هذا الموضوع
لا تشمل العراق. نعم، أقول للقوى الشيعية العراقية المعارضة التي تبحث عن مخرج،
أنه لا يجوز أن تجد مخرجاً شيعياً، أن تبحث عن مخرج شيعي، لأن هذا يضر أكثر مما ينفع.
ولا يجوز أن تبحث عن مخرج لا ينسجم مع توجهات المحيط العربي حول العراق،
ولا يجوز أن تبحث عن مخرج يتهم الشيعة العراقيين بأنهم ملحقون بدولة أخرى.
لا بد لكل مخرج من المخارج لإصلاح النظام السياسي في العراق،
ولإعادة استقرار العراق ولاستعادة دوره، لا بد من أن يتم باتفاق بين الجميع…
ويا حبذا، ويا حبذا، ويا حبذا، لو أن الدول العربية الفاعلة تمكنت من أن تكون رؤية بما يشبه “
مؤتمر الطائف” الذي عقد من أجل لبنان، ولعل الله إذا مد في الأجل أن يرشدني إلى خير السبل
في هذا الشأن للتداول مع بعض القادة الكبار والمسؤولين الكبار من إخواننا الحكام العرب
في هذه الفكرة، لعل الله يجعل لنا فرجاً ومخرجاً مما نعانيه،ويفرج عن العراق وشعبه
ويحرر العراق من هذه الوصاية ومن هذه الهيمنة الأجنبية الأمريكية التي دمرته،
والتي تمتص حياته تحت شعار حصار النظام، بينما الحصار هو للشعب.
نسجل هذه الوصية في منتصف ليل الاثنين ـ الثلاثاء، السابع من شهر شوال من سنة 1421
للهجرة النبوية الشريفة، الثاني من الشهر الأول من سنة 2001م، في منزلنا في “شاتيلا”.
وهذه الوصية تتعلق بمقولة الأقليات التي لها تاريخ قديم، منذ بدأ الغرب يتعامل مع الشرق
على قاعدة الاستيلاء والاستحواذ والتفتيت الداخلي للجماعات، على أسس عرقية ودينية ومذهبية.
وقد تفاقم هذا التوجه في السنوات الأخيرة نتيجة لجملة من العوامل أبطأت من عملية التطور
أو التغير الطبيعي. ولكن في الحقيقة، العوامل الأساسية هي عوامل سياسية مصطنعة،
تحركها القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، تحت ستار
العولمة وما أشبه ذلك. وهذه الدعوة تهدف إلى إثارة الفوارق الثانوية أو الأساسية
داخل كل جماعة سياسية في دولة أو في مجتمع، وتدفع بها نحو المطالبة بتمايزات خاصة بها،
تجعلها ثغرة هشة أو نقطة هشة في البناء الوطني العام لتلك الدولة وذلك المجتمع.
إن القوى العظمى، سواء في العالم الغربي أو في أماكن أخرى من آسيا، تركز
على التنوعات الموجودة داخل المجموعات الوطنية والقومية الأخرى، وتركز على حقوق هذه الأقليات.
وهذه القوى حينما تنشئ الهيئات وتعقد المؤتمرات والندوات، فإن حافزها الحقيقي
ليس إطلاقاً تحري العدالة في إنصاف هذه الأقليات مما يصيبها من الأكثرية التي تعيش بينها،
وإنما هدفها هو إعادة تقسيم المجتمعات الوطنية في العالم الثالث تمهيداً لبث الفتن بينها،
والسيطرة عليها، واقتطاع أجزاء منها تتعامل معها ضد أوطانها وضد مصالحها العامة.
من الأخطار التي تحيق بوجود المسلمين الشيعة على مستوى الأمة الإسلامية
أو على مستوى كل دائرة أقليمية ـ ونتحدث خاصة على مستوى العالم العربي ـ
هو إيقاع الشيعة في هذا الفخ، هو إشعارهم بأنهم يمثلون أقلية في المسلمين،
وأنهم مضطهدون هنا وهناك، لأنهم أقلية، وأن عليهم أن يجتمعوا وينظموا صفوفهم
ويبلوروا مصالحهم على أساس أنهم أقلية، وأن يستعينوا بالأجانب في الدول الأجنبية،
أو بالمؤسسات التي أنشأتها القوى العظمى في نطاق الأمم المتحدة أو غيرها لأجل رعاية
ما يسمى حقوق الأقليات. ونعلم أنه منذ سنتين أو ثلاث سنوات، بدأت الولايات المتحدة
تسن قوانين خاصة بها، تعطيها السلطة والصلاحية للتدخل بصورة منفردة في هذه الحالات، ومنها “
قانون حرية الأديان” وما إلى ذلك. ومن هنا، نحن وضعنا قاعدة نتمسك بها،
وهي أن الشيعة ليسوا أقلية في العالم الإسلامي، وليسوا أقلية في الوطن العربي،
وكذلك هو شأن المسيحيين أيضاً في العالم العربي. لذلك فإن أية دعوة لحماية الأقليات،
وإنصاف الأقليات، هي مخاطرة كبرى لا يجوز السير فيها، وينبغي التوقف عندها.
وهناك قد تثار قضايا الاضطهاد والحرمان التي يتعرض لها الشيعة في كثير
من أوطانهم في العالم العربي وغيره. ونقول: نعم، إن هذه المظالم موجودة،
وإن هذا الحرمان موجود، ولكن التغلب عليه لا يكون بالاستجابة لدعوات حقوق الأقليات،
وإنما يكون بالعمل السياسي الإنساني الدائم لتوثيق عرى الاندماج، بجميع سبل الاندماج،
في الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في أوطانهم، وفي توثيق نظام المصالح العام،
وفي زيجات مختلطة، وفي كل شئ يمكن أن ينشئ شبكة مصالح عامة للمجتمع،
يكون الشيعة جزءاً من نسيجها لا ينفصم. وها نحن أمام تجربة شيطانية نحاربها وتحاربنا،
فنرى كيف تعمل إسرائيل لتندمج مع محيطها ولتكون جزءاً منه، ولئلا تكون شاذة عنه.
فهي بعد جميع حروبها لجأت أخيراً إلى الطريق الذي لا طريق غيره، وهو الاندماج
في نظام المصالح العام لكل وطن عربي، ولمجموع الأوطان العربية، لتكون جزءاً
لا يستغنى عنه في عملية سيرورة الحياة والتنمية.
وصيتي إلى أبنائي الشيعة في لبنان وفي سائر العالم العربي، وصيتي لهم ألا يقعوا
في هذا الفخ أبداً، وأن يرفضوا أية دعوة لاعتبار أنفسهم أقلية، تحت أي إغراء من الإغراءات
أو سمة من السمات، لأنهم لن ينتفعوا إطلاقاً بهذه الدعوة، بل سيكونون سبباً لإضعاف
البنية الوطنية لكل مجتمع يجتمعون إليه، وفي إضعاف وحدة الأمة الإسلامية على المستوى
العربي العام، وعلى المستوى الإسلامي العام. وبدل أن يحصلوا على اعتراف منصف
لوضعهم المذهبي، أو على إنصاف سياسي في وضعهم السياسي، فإنهم في الأقل لن يربحوا شيئاً،
وربما سيزداد وضعهم تأزماً لأنهم بعملهم هذا سيخلقون مخاوف وهواجس عند المسلمين
الآخرين وسينظر إليهم وكأنهم فئة موالية للأجنبي.
هذه النقطة أرجو أن تكون موضع عناية واعتبار من كل ذوي الرأي الشيعة
في العالم العربي والإسلامي. وأنا أعلم وأعرف أن هناك شخصيات ـ
قسم منها نحسن الظن به ونحترمه ـ قد اندفعت في هذا التيار إما بداعي الغيرة
على مصلحة الشيعة، أو بدواع أخرى لا يخلو منها الدافع الشخصي، دافع إيجاد منصة
ووسيلة للدخول في العمل العام عن طريق هذا المشروع.
هذا الأمر آمل أن يعاد النظر به بصورة جذرية، ولو بالدعوة إلى مؤتمر مصغر
لأجل أن تبحث فيه طريقة الخروج من هذا الفخ الذي بدأ البعض يقع فيه.
ومن هنا فأنا لا أميل إطلاقاً، بل أرفض إنشاء جمعيات تحت شعار حقوق الإنسان الشيعي،
أو حقوق الشيعة، أو ما شابه ذلك، وتسجيلها في مؤسسات منتمية ومتفرعة من الأمم المتحدة،
وإعطائها دوراً في ما يسمى الهيئات غير الحكومية، وجعلها أداةً في إثارة المطالب
هنا أو هناك عند كل حادث من الحوادث. هذه وصية أساسية أرجو أن تؤخذ بنظر الاعتبار.
وأما المظالم التي يتعرض لها الشيعة بين حين وآخر، سواء كانت على المستوى المذهبي
أو على المستوى السياسي، مستوى الحرمان السياسي، فقد بينت في بعض الوصايا السابقة،
وأكرر البيان الآن، أن العمل لها يكون بالمزيد من كسب ثقة الآخرين، ومن تأكيد إسلامية الانتماء،
ومن تأكيد عدم وجود أي مشروع منفصل عن المشروع الوطني العام لكل مجتمع،
وعدم وجود نظام مصالح منفصل عن نظام المصالح العام لكل مجتمع.
fuqS lk ,whdh hgado hgadud lpl] li]d als hg]dk ggadui ,i, td lJvq