بسم الله الرحمنالرحيم
شبابنا هم أبناؤنا وإخوانناوأحبابنا، كلنا يعلم ما يعانونه في شبابهم من مشكلات تواجههم في حياتهم.. ولعلمشكلةَ تأجج الشهوة في تلك الحقبة من العمر وانتشار دواعيها مع قلة مصارفها الحلالهي واحدة من أكبر هذه المشكلات، بل وأهمها لدى إخوانناالشباب..
وإذا كانت العفة مطلبًا شرعيًاواجتماعيًا ـ صيانة للدين وحفاظًا على المجتمع بحفظ أهم طبقة فيه ـ فلا يخفى صعوبةهذا المطلب في مثل زماننا، زمان الفضائيات والدشوش والكليبات والشبكات العنكبوتيةوالتي تتكاتف جميعًا لعولمة النمط الثقافي والاجتماعي الأمريكي خاصة والغربي عامةبما فيه من إباحية جنسية، وهدم للمنظومة الأخلاقية، ومغايرة للمفاهيم الإسلاميةوالشرقية.
وكل هذا يجب أن لا يحملنا علىاليأس والاستسلام والرضا بالواقع، بل على العكس ينبغي أن يحث الهمم ويهيج على العمللدرء الفتن وصيانة الشباب.
ويبقى الأمل في نفوسنا وحسن ظننا بشبابنا بابًا ندخل منه لدعوتهم لمجابهةالشهوات وعدم الرضوخ لها والوقوع في أسرها.
قصة يوسف
إننا حيننتحدث عن مواجهة الشهوة لا نتحدث عن أمر معجز يستحيل الحصول عليه، وإنما مطلب واقعيممكن، وإن كان صعبًا. وقد قص علينا القرآن قصة من قصص الشباب مع الشهوة ليتخذشبابنا منها قدوة وأسوة ودرسًا عمليًا في كيفية التعامل مع مثل هذه المواقف، ويتعرفعلى الأسباب المعينة على الخلاص من ورطاتها.
إن الواقع الذي عاشه يوسف عليهالسلام هو في الحقيقة أشد من أي واقع يقابله شاب منا، فلقد تهيأت له كل أسبابالفاحشة ودواعيها :
فالشبابوالقوة والشهوة متوفرة؛ فقد كان في عنفوان شبابه، وهو يحتاج لتصريف شهوته وهو عزب،ولا مصرف له حلال، وقد بذلت له ولم يسع إليها..
والمرأة جميلة؛ فهي زوجة العزيز ومثله لا يتزوج إلابأجمل النساء.
ولا خوف منالعقوبة؛ فالمرأة هي الطالبة والراغبة، وقد طلبت وأرادت بل وراودت، فكفته مؤنةالتلميح أو التصريح بالرغبة.
وقد أغلقت الأبواب عليهما ليكونا في مأمن، ولترفع عنه حرج الخوف منالفضيحة.
ثم هو غريب في بلد لايعرفه أحد؛ فلا خوف من أن يفتضح، وهو خادم وهي سيدته، فهو تحت سلطانها وقهرها،فيخاف إن لم يجبها أن يطوله أذاها.
وقد عانى عظم الفتنة وشدة الإغراء.. فالمرأة لا شك قد أعدت للأمرعدته وبيتته بليل وخططت له، فدخلت وأغلقت الأبواب كل الأبواب، وبدأت في المراودة،ومثل هذه لابد أنها تزينت بكل زينة وجمعت كل فتنة، فما ملك إلا الهرب، وأنقذه هذهالمرة وجود سيده لدى الباب رغم أن ردة فعله كانت مخيبةللآمال. تكررالإغراء
لقد تكرر الموقف لا شكمرات، وقد هددته وتوعدته وخوفته بالسجن، ورأى جرأتها على زوجها وقدرتها على تنفيذأمرها، وإصرارها على تحصيل مبتغاها في قضاء وطرها، والإعلان بذلك أمام النسوة فيوقاحة وعدم حياء أو خوف، مع أمنها مكر زوجها؛ فهو كأكثر رجال هذه الطبقة لا يمثلالطهر والشرف كبير قيمة لديهم وهذا ظاهر من موقفه: {يوسف أعرض عن هذا واستغفريلذنبك إنك كنت من الخاطئين}[يوسف:29].
لقد أعلنتها صريحة: {ولقدراودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمروه ليسجننَّ وليكونًا منالصاغرين}[يوسف:32]. فما وجد الصدّيق بعد كل هذا إلا أن يعتصم بالله، وأن يقدم رضًاالله على هوى النفس، بل ويرضى بالسجن (وأرجو أن نلاحظ ذلك) ترك اللذة والشهوة، وآثرعليها السجن بما فيه، وهو لا يدري متى سيخرج منه، ولعله لا يخرج أبدًا، لكنه كانأحب إليه من رغبة الشباب ولذة الحرام، فأطلقها صريحة: {رب السجن أحب إليَّ ممايدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهنَّ أصب إليهنَّ وأكن منالجاهلين}[يوسف:33].
إننا يا شباب نحتاج إلىاستحضار هذا الموقف وأشباهه لنتخذه أنموذجًا يحتذى، ومثلاً يقتدى، ونتشبث بما تشبثبه يوسف لننجو من أغلال الشهوة وذل المعصية.
قواربالنجاة:
لقد تمسك الصادق العفيف "يوسف" بأمور كانت سببًا بعد توفيق الله وحفظه في عصمته وصيانته، ولو تمسك بها كلواحد منا لبلغ بأمر الله بر الأمان كما بلغه يوسف:
أولها: خوف اللهومراقبته
لقد كان في خلوة لايراه من البشر أحد، والضغوط كلها عليه، ومداخل الشيطان كثيره، فما بحث عن تبريرات،ولا استسلم لوخز الشهوات واستحضر في ذلك الموقف العظيم خوفه من الله تعالى ومراقبتهله، وتعظيمه لحق الله تعالى فقال لما راودته بملء فيه: {معاذ الله}، {إنه لا يفلحالظالمون}.
وما أجمل هذا الخوف وما أجلعاقبته التي أخبر بها نبينا في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلاظله ومنهم: "...ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخافالله...".
ثانيها: توفيق الله وحفظهلعبده:
فلما رأى الله تعالىمنه صدقه وصبره صرف عنه السوء وصرفه هو عن السوء صيانة له وتكريما وجزاء على عفته: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادناالمخلصين}[يوسف:24].
ثالثها: فراره عن أسبابالمعصية:
فلما رأى منها ما رأى،وخاف على نفسه فر منها وهرب إلى الباب يريد الخروج، وهي تمسك بتلابيبه وهو يشد نفسهوينازعها حتى قدت قميصه من شدة جذبها له وشدة هربه منها.
وهذا الفرار هو أعظم أسبابالنجاة، فالفرار من الأسواق المختلطة، والفرار من المتنزهات، والفرار من الخلوةبالأجنبيات، وصيانة النظر عن رؤية المحرمات والعورات، والبعد عن مواقع الشهوةوالعري في النت والفضائيات، كلها من أسباب الفرار بالدين من الفتن .. وخلاصتها غضالأبصار عن الوقوع في حمى الأخطار.
كل الحوادث مبدأهـــا منالنظــر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت من قلب صاحبها كمبلغ السهم بين القــــــوسوالوتر
يســــر مقلته ماضــــــر مهجته لا مرحـــــبا بسرور جاء بالضرر
ومن صدق الفرار أن يفر الواحدمنا من قرناء السوء الذين يذكرونه بالمعاصي، ويحدثونه عنها وعن سبلها ووسائلهاوكيفية الوصول إليها، بل ويمدونه بها وييسرونها عليه،، فهؤلاء معرفتهم في الدنياعار وفي الآخرة خزي وبوار .
ومن أراد السلامة فليلزم أهلالتقى ومواطن الخير وأصحاب العبادة كما قال العالم لقاتل المائة نفس: "ودع أرضك هذهفإنها أرض سوء واذهب إلى أرض كذا فإن فيها قوما يعبدون الله تعالى فاعبد اللهمعهم".
رابعها: الدعاء والالتجاء إلىالله:
فقلوب العباد بين إصبعينمن أصابع الرحمن يقلبها ويصرفها كيف يشاء، فهو سبحانه القادر أن يثبت قلبك ويصرفهمم أهل السوء عنك، والتوفيق كله بيده، والخذلان أن يكلك إلى نفسك. وقد علم يوسفذلك؛ فالتجأ إلى الحصن الحصين والركن الركين: {وإلا تصرف عني كيدهم أصب إليهنَّوأكن من الجاهلين * فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهنَّ إنه هو السميعالعليم}[يوسف:33، 34]. فإذا أردت العصمة فاعتصم بربك: {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلىصراط مستقيم}[آل عمران:101].
خامسها: تهويل خطرالمعصية:
فقد رأى الكريم أنالفاحشة أمر عظيم وخطب جليل، وتجرؤ على حدود الله خطير، وتفكر في عقوبة الآخرة،فهانت عليه عقوبة الدنيا، فاختار السجن ومرارته على أن يلغ في عرض لا يحل له، أو أنيقضي وطرًا في غير محله: {قال رب السجن أحبُّ إلي مما يدعوننيإليه}[يوسف:33]. سادسها: الاعتصامبالإيمان:
فالإيمان يصون أهلهويحمي أصحابه، ومن حفظ الله تعالى حفظه الله في دينه ودنياه وأهله وأخراه، وما عصميوسف عليه السلام إلا الإيمان بربه وصدقه معه وإخلاصه له، وقد سجل الله له ذلكفقال: {إنه من عبادنا المخلصين}[يوسف:24]. الزواج أوالصوم:
لقد عالج رسول اللهمشكلة الشهوة عمليًا بدعوة القادرين على سرعة إعفاف النفس، وكذلك الآباء على سرعةتزويج أبنائهم لرفع الحرج عنهم ودفع القلق وجلب الاستقرار النفسي والاجتماعي، فإندعت الظروف وامتنعت القدرة فاللجوء إلى الصوم، فإنه يقطع الشهوة ويحطم جموح النفس: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. ومنلم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
تذكر عاقبةالعفة:
وهو معين للشاب على هجرالفاحشة ومقاومة الشهوة الجامحة أن يتذكر عاقبة العفة الدنيوية والأخروية. فأهلالعفة هم أهل ثناء الله وفلاح الآخرة: {قد أفلح من تزكى}[الأعلى:14]. {والذين هملفروجهم حافظون.... أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيهاخالدون}[المؤمنون:5].
وأهلالعفة هم أهل المغفرة والأجر العظيم: {والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين اللهكثيرًا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرًاعظيمًا}[الأحزاب:35].
وأهلالعفة هم أهل الجنة: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة".
ثم تذكر الإحساس بلذة الانتصارعلى النفس والشيطان، والتخلص من رقة المعصية ومذلة الذنب وكسرة النفس والقلب، وخوفعقوبة الآخرة.
وللأسرة دورأيضًا:
إننا ونحن ندعو شبابناللعفة ومقاومة الشهوة لا ينبغي أن نغفل دورنا كآباء وولاة أمور، بل الواجب علىالوالدين تيسير أسباب العفة للأبناء، ودفع غوائل الشهوة عنهم. فغرس الإيمان فيالقلوب بحسن التربية والتنشئة، وسد ذرائع الشهوة بإخراج آلات اللهو والإغراء منالبيوت، والعلاقة الأخوية ورابطة الصداقة مع أبنائنا التي تحمي من قرناء السوء،وحسن الاستماع والإنصات لمشكلات الأبناء، مع البحث عن العلاج السليم دون التأنيبوالاندفاع، مع فتح باب المصارحة لإيجاد أيسر الحلول من أقرب الطرق.. كلها معيناتللأبناء، ولا تنسوا حديث رسول الله : "كلكم راع وكلكم مسئول عنرعيته".
نسأل الله أن يصرف عنشباب المسلمين كل مكروه وسوء. والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين
rwm d,st ugdi hgsghl