اعتدل في حياتك..
د. عبدالعزيز الأحمد
مر علي هذا الأسبوع وأنا أقرأ في تحضير درس قبسات نفسية.. حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فَقَالَ: «مَا هَذَا الْحَبْلُ»؟ قَالُوا: هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ».
تأملت مدى الاهتمام بتقدير حكمة التشريع وتناغمها مع طبيعة الإنسان، إذْ لا يمكن أن يلزمنا الشرع بما لا يناسب طبيعة الإنسان، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها أحكام المريض مع الصوم والصلاة وغيرها، والشاهد من التأمل أن الإنسان تأتيه لحظات وأوقات يغلبه الحماس والنشاط.. فيزيد من الأعمال المشروعة تنفلاً كصوم أو صلاة ويبتكر لذلك أساليب لتنشيطه، لكن ذلك يخل بالتوازن الضروري لصحة الإنسان الجسدية والنفسية.
لاحظ سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الحبل مستغربا وجوده! فلما أجيب بأنه للإعانة على الصلاة ليلا إذا تعبت زينب رضي الله عنها؛ عُلم لماذا تدخل!
لأن ذلك خلاف العدل بين الحقين: حق الجسد والروح، وحق الله وحق النفس، فذكر القاعدة الجميلة: «ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد»، بمعنى ينام أو يجلس حتى يريح جسمه وبعد ذلك إن شاء عاود، أما مغالبة الجسم وهو متعب جدا حتى يتمسك بحبل للقيام بسبب النوم فذلك ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه القاعدة النبوية والتربية العظيمة توجه المسلم إلى أهمية الاعتدال في تلبية الحقوق المتنوعة سواء حق الله أو النفس أو الأهل وغيرهم، وعدم تجاوز أحكام الشرع بتحريم الحلال أو تحليل الحرام، أو ابتكار طرق في العبادات تستغرق الأوقات على حساب النفس والأهل وغيرهم، أو ما يقع به البعض -وهم قليل- بقطيعة الأقارب أو الناس بدعوى الانعزال أو بسبب وقوعهم بمحرمات؛ وتجده مجتهدا بالعبادات الخاصة الفردية كالصوم اليومي الدائم والقيام الليلي كله، فهو منقطع مبتعد سلبي، ولا شك أن نيته طيبة لكن لم يكن معتدلا في طريقته، متوازنا في أداء الحقوق المتنوعة، ولذلك بعضٌ من هؤلاء قد يحصل عنده ارتداد عكسي فيترك معظم أعماله فيقع بعد الإفراط بالتفريط، وبعد التشدد بالتفلت المذموم؛ ولذلك عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- «أَنَّ النَّبِىَّ- صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ قَالَ «مَنْ هَذِهِ». قَالَتْ فُلاَنَةُ. تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا. قَالَ «مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا». وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ».
فمن خلال وصف عائشة رضي الله عنها لاحظ النبي صلى الله عليه وسلم المغالاة بالقيام والصلاة ليلا، فوجههم بأن الأفضل والمشروع أداء المستطاع وعدم تجاوز الاعتدال في ذلك، وحد الاعتدال أن يقصر الانسان بحق من الحقوق سواء لله أو للنفس أو للجسد أو للناس، وهذا ما تربى عليه الصحابة رضي الله عنهم كما في قصة سلمان وأبي الدرداء رضي الله عنهما وفي نهايتها: فقال سلمان لأبي الدرداء: إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه, فأتى النبي فذكر ذلك له، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: (صدق سلمان).
الاعتدال يطرد بجميع جوانب حياة الانسان سواء بالعمل والوظيفة أو العلاقات والسفرات؛ فيجتهد أن يكون متوسطا معتدلا، حتى تستقيم حياته، وتسعد نفسه ومن حوله.. فمن لزم الاعتدال سعد في الحال والمآل..
huj]g td pdhj;>