عن أبي ذر جندب بن جنادة وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي
الله عنهما عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: اتق الله
حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. (رواه الترمذي وقال:
حديث حسن)
شرح وفوائد الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم ( اتق الله حيثما كنت ))
أي اتقه في الخلوة كما تتقيه في الجلوة بحضرة الناس ، واتقه في سائر الأمكنة والأزمنة. ومما يعين على التقوى استحضار أن الله تعالى مطلع على العبد في سائر أحواله ،
قال الله تعالى :{ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم يُنَبِّئُهم بما عملوا يوم القيامة إنّ الله بكل شيء عليم } [المجادلة:7].
والتقوى كلمة جامعة لفعل الواجبات وترك المنهيات . هذه هي التقوى! أن تفعل ما أمرك الله به إخلاصا لله، واتِّباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تترك ما نهى الله عنه امتثالا لنهي الله- عز وجل- وتنزُّها عن محارم الله، فتقوم بما أوجب الله عليك في أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين وهي الصلاة، فتأتي بها كاملة بشروطها وأركانها وواجباتها وتكملها بالمكملات، فمن أخلَّ بشيء من شروط الصلاة أو واجباتها أوأركانها فإنه لم يتَّقِ الله، بل نَقَصَ من تقواه بقدر ما ترك ما أمر الله به في صلاته، وفي الزكاة تقوى الله فيها أن تُحصي جميع أموالك التي فيها الزكاة وتُخرج زكاتك طيبة بها نفسك من غير بُخلٍ ولا تقتيرٍ ولا تأخير، فمن لم يفعل فإنه لم يتَّقِ الله. وفي الصيام تأتي بالصوم كما أُمرت، مجتنبا فيه اللغو والرفث والصَّخب والغيبة والنميمة، وغير ذلك مما ينقص الصوم ويُزيلُ روح الصوم ومعناه الحقيقي، وهو الصوم عما حرَّمَ الله عز وجل. وهكذا بقية الواجبات تقوم بها طاعةً لله، وامتثالا لأمره، وإخلاصا له، واتباعا لرسوله، وكذلك في المنهيّات تترك ما نهى الله عنه، امتثالا لنهي الله- عز وجل - حيث نهاك فانتهِ.
وقوله صلى الله عليه وسلم ( وأتبع السيئه الحسنة تمحها ))
أي إذا فعلت سيئة فاستغفر الله تعالى منها وافعل بعدها حسنة تمحها .
فإذا عملت سيئة فأتبعها بحسنة، فإن الحسنات يُذهِبْنَ السيئات، ومن الحسنات بعد السيئات أن تتوب إلى الله من السيئات فإن التوبة من أفضل الحسنات، كما قال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222].
وقال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].
وكذلك الأعمال الصالحة تكَفِّر السيئات، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفِّرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر)) مسلم
وقال: ( ( العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما)) البخارى،فالحسنات يُذْهِبْنَ السيئات
واعلم : أن ظاهر هذا الحديث يدل على أن الحسنة لا تمحو إلا سيئة واحدة ، وإن كانت الحسنة بعشر ، وأن التضعيف لا يمحو السيئه ، وليس هذا على ظاهره ، بل الحسنة الواحدة تمحو عشر سئيات . وقد ورد في الحديث ما يشهد لذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ((تُكِّبرون دبر كل الصلاة عشراً وتحمدون عشراً وتُسبِّحون عشراً فذلك مَائة وخمسون باللسان وألف وخمسائة في الميزان )).
ثم قال صلى الله عليه وسلم : (( أيكم يفعل في اليوم الواحد ألفاً وخمسمائة سيئة ))دل على أن التضعيف يمحو السيئات .
وظاهر الحديث : أن الحسنة تمحو السيئة المتعلقة بحق الله تعالى ، أما السيئة المتعلقة بحق العباد من الغضب والغيبة والنميمة ، فلا يمحوها إلا الاستحلال من العباد ، ولا بد أن يعين له جهة الظلامة ، فيقول : قلت عليك كيت وكيت .
وفي الحديث دليل على أن محاسبة النفس واجبة ، قال صلى الله عليه وسلم :
(( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا )) . وقال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتَنظُر نفسُ ما قدمت لغد ٍ} [الحشر:18].
قوله صلى الله عليه وسلم : (( وخالق الناس بخلق حسن ))..
اعلم أن الخلق الحسن كلمة جامعة للإحسان إلى الناس ، وإلى كف الأذى عنهم ،قال صلى الله عليه وسلم : (( إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوه ا ببسط الوجه وحسن الخلق )).
وعنه صلى الله عليه وسلم : (( خيركم أحسنكم أخلاقا ً)).
وعنه صلى الله عليه وسلم : (( أن رجلاً أتاه فقال : يا رسول الله ما أفضل الأعمال ؟ قال ( حسن الخلق )) ، وفى حديث آخرقال لسائل لا تغضب .
ويقال : اشتكى نبي إلى ربه سوء خلق امرأته ، فأوحى الله إليه : قد جعلت ذلك حظك من الأذى .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً ، وخيارهم خيارهم لنسائهم )) .
وعنه صلى الله عليه وسلم : (( إن الله اختار لكم الإسلام ديناً فأكرموه بحسن الخلق والسخاء ، فإنه لا يكمل إلا بها )).
وقال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم حين نزل قوله تعالى : { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } [الأعراف : 199].
_قال في تفسير ذلك : أن تعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك وتعطي من حرمك.
_وقال الله تعالى{ اُدْفَعْ بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } [فصلت:34].
_وقيل في تفسير قوله تعالى :{ وإنَّكَ لعلى خُلُقٍ عظيم } [القلم:4].
قال : كان خلقه القرآن ، يأتمر بأمره وينزجر بزواجره ، ويرضى لرضاه ، ويسخط لسخطه صلى الله عليه وسلم.
*والأخلاق الحسنة مع كونها مَسْلكًا حسنا في المجتمع ويكون صاحبها محبوبا إلى الناس فيها أجر عظيم يناله الإنسان يوم القيامة. فاحفظ هذه الوصايا الثلاث من النبي صلى الله عليه وسلم اتَّقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالقِ الناسَ بخُلقٍ حسن. والله الموفِّق.
.شرح رياض الصالحين للإمام النووى ببعض تعليقات للشيخ ابن العثيمين.
avp p]de hjr hggi pdelh ;kj