وقــال النهــر... يداك أوكتا وفوك نفخ ...!!
هو مثلٌ من الأمثال العربية التي ترصد موقفاً وتعبر عن رؤية ٍ، في التدبير والسلوك الإنساني .
وفعل ( أوكى ) يعنى ربط فم القربة أو الكيس أو الوعاء ، حتى لاينفرط ما بداخله ، والمثل يحمل ُ قصة رجلٍ ٍأراد أن يعبر النهر ، فنفخ قربته وَربطَ عنقها بحبلٍ، ليستعين بها على العبور ،إلا أنّه لم يحكم الربطَ فانفرط الحبل في منتصف الطريق وغرق راكب القربة ، فجنى على نفسه بنفسه .
ومن هنا كانت ولادة المثل الذي أصبح يضرب لمن تكون جنايته من صنع يده فيتحمل عاقبتها ويكون عليه وزرها وما تجره من مصائب .
والمثل يجسد درساً بعيد الأثر في تقويم السلوك الإنساني ، ويدل على تجربة ٍمحكمةٍ ورأيٍ سديدٍ وعليه فالواجب يقتضي أن يكون الإنسان مدركاً لدقائق الأمور في كل ما يقدم عليه من عملٍ ٍلئلا يرتكس في سوء تدبيره ، والذي قد يجر عليه الويل والثبور ، وعندها لايفيد التظاهر بالندم وذرف الدموع ، أو سكب الحسرات بعد أن ( يسبق السيف العذل ) .
ولهذا كانت الأمثال التي تشخص هذه الفكرة محطة أمان ٍ في تقويم السلوك ، نبهت إليها الشرائع وتحاشت الوقوع فيها الفلسفات المتوارثة في نهج المفكرين وتوجهاتهم التنويرية ، ونزعاتهم الإصلاحية ، وما أروع ما أشارت إليه الآية الكريمة ( ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى ) وكأنها تدق ناقوس الخطر الذي يذكر النفس الواعية بحطورة ما قد يجر عليها الرأي المتفرد إن لم تتحكم به الرؤى الواعية والتجارب الحصيفة .
ومن هنا جاء هذا التكرار المتعمد في اللفظ ( لاتزر - وازرة ٌ- وزر ) وكأنه يضعك في دوامة الأثر الناجم عن الفعل المتسرع لتتحاشاه وتنجو من سوء العاقبة .
وقد يأتي المثل في توجيه لغوي آخر (كل امرىءٍ بما كسب رهين ) أو في صورة حكم يقيس الأمور بنظائرها (على نفسها جنت براقش ) وهنا تتعدد ألوان التعبير وتتباين المواقف وتتلاقح الآراء ، ولكنهافي نهاية المطاف ترصد وجهاً واحداً ، يرسم خطورة المغامرة الفردية وسوء عواقبها إن كان طابعها التهور والعبث في الأحكام ، وهذا نقصٌ في الإدراك في مجتمع تتضافر فيه الجهود من أجل الوصول إلى رأيٍ سديدٍ وتوجيه مؤسسٍ على تجارب ناضجة في تصويب السلوك وتقويمه وعلى الفرد المتنور الحكيم أن يدرك ذلك إن أراد أن يكون عضواً فاعلاً في ركب بناة العصر ويسهم في توجيه سفينته وهي تمخر العباب في بحر الوجود .
مما راق لي
ودي لكم / ابو فارس
dJ]h; H,;JjJh ,tJJ,; kJtJo >>>!!