متلازمة الغطرسة hubris syndrome مرض يعني «اختلال الشخصية المكتسب»، وهو مرض يشبه نقص المناعة النفسي يصيب من يتولون السلطة، أي سلطة سياسية كانت أو إدارية، أو تجارية، بانزلاق تدريجي من حالة الكاريزما، والثقة في النفس، والطموح، والقدرة
على المغامرة، إلى حالة من انعدام الضوابط، والمناعة الذاتية ضد تضخم الذات، والتغطرس، واحتقار الآخرين، ويكون ذلك عندما يبدأ الشخص بالاستئثار بالرأي، والامتناع عن سماع النصح، والتصرف دونما روية أو اكتراث. وتبدأ أعراض هذا المرض على شكل قرارات أحادية متسلطة متسرعة، وفي عدم الاكتراث بالتفكير في عواقبها وخصوصاً على الآخرين.
وقد استخدم هذا المصطلح المحلل النفسي المصري أحمد عكاشة في تشخيصه لنفسيات بعض القادة العرب الذي أصيبوا بهذه المتلازمة واستفلحت فيهم فتعاملوا مع شعوبهم وبلدانهم على أنها امتداد لذواتهم فقط. فمتلازمة الهبرس (الغطرسة) تشكل مدخلاً علمياً لفهم شخصية مثل الرئيس الليبي غريب الأطوار معمر القذافي الذي يبدو أنه يعاني من حالة متقدمة جداً منها. فالعقيد حسب رأي عكاشة، يجسد هذه الغطرسة قلباً وقالباً، بادعائه بأنه زعيم العرب، وملك ملوك إفريقيا، وهو يطلق على شعبه أوصاف الأوباش والجرذان، واتضح أن عكاشة قد كتب كتاب بالعربية تحت مسمى
متلازمة «الغطرسة والسلطة».
يجدر بالذكر أن متلازمة الهبرس المكتسب معروفة منذ زمن قديم، إلا أن أول من نبه إلى وجودها في مجال السياسة الحديثة هو وزير الخارجية البريطاني المخضرم، السير «ديفيد أوين» الذي كتب مع جوناثن ديفيدسون وهو طبيب نفسي مشهور وعضو في مجلس اللوردات أيضا، مقال في مجلة متخصصة في علم النفس موسومة باسم: Brain (العقل) تحت عنوان مثير هو: «متلازمة الغطرسة: اختلال نفسي مكتسب؟ دراسة لحالات رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، ورؤساء وزراء بريطانيا في مئة عام»، والمقال يحلل إحصائياً وبناء على معطيات هذا المرض، ومعايير سلوكية معينة رؤساء أمريكيين ورؤساء وزراء بريطانيين سابقين للكشف عن إصابتهم بأعراض هذا المرض.
ومن أهم أعراض هذا المرض حسب تشخيص الكاتبين أن القائد بعد وقت طويل في السلطة يبدأ بالنظر للعالم على أنه مسرح من أجل تضخيم الذات فقط؛ ويكون له استعداد لاتخاذ قرارات من أجل تحسين صورته فقط ولا شيء آخر؛ ويبدي حرصاً غير طبيعي على تلميع صورته أمام شعبه؛ ويتكلم بنوع من النغمة المتعالية عن البشر من حوله وكأنه يحمل رسالة سماوية أو إلهية لهم أو أن السماء انتدبته لإنقاذهم؛ ويبدي بين الفينة والأخرى احتقاراً علنياً للآخرين؛ ويخلط بين شخصية بلده وشخصيته في ذات واحدة؛ ويبدي ثقة أكثر من المطلوب في ذاته وعبقريته؛ ويحس بأنه ليس مسؤولاً أمام شعبه بل مسؤول فقط لسلطات أعلى منه هو مثل الله والتاريخ؛ ويفقد تدريجياً صلته بالواقع ويعيش في وهم الذات؛ ويتخذ أحياناً قرارات اعتباطية فردية مندفعة؛ ويقحم المبررات الأخلاقية والمثل العليا السامية في كل كبيرة وصغيرة بسبب وبدون سبب؛ ويظهر تردداً وعدم قدرة واضحين على التعامل مع التفاصيل والأمور الدقيقة.
وتنعكس هذه الأعراض على شخصية القائد بتقلبات حادة في المزاج، وعدم الثقة بالناس، والتسلط، والتوحد بالقرار، والتخبط، والاكتئاب المزمن، والإدمان بمختلف أنواعه.
وأصدر ديفيد أوين في عام 2007م كتاباً خاصاً بالرئيس بوش، ورئيس الوزراء بلير يرى فيه أنهما «ثملا بالسلطة، فأخذا يتعاملان مع العالم من حولهما بنوع القرارات المنفردة، والغطرسة المرضية؛ فبوش خاطب الشعب الأمريكي أكثر من مرة وكأنه يحمل رسالة سماوية، وذكّر الشعب بالحملات الصليبية، وظهر في نهاية حرب الخليج على ظهر فرقاطة في كاليفورنيا وهو يستعرض بزي طيار بحري وخلفه يافطة كبيرة تقول «تمت المهمة» وكأنه كان في مهمة تاريخية مقدسة، أما بلير فقد كان ينفرد في آخر عهدة بقرارات الحرب ضد رغبة الشعب وضد رغبة البرلمان، وكان يستعرض بشكل بطولي دوره المضخم في الحرب.
والكاتبان يريان دائماً نهاية غير طبيعية للحكام المصابين بمتلازمة الهبرسة، كما حصل مع نيكسون الذي أجبر على الاستقالة، بعد أن وصلت به الأمور للتجسس على مقر الديمقراطيين. وقد نزع البرلمان البريطاني نزع في توني بلير، وفي قوردن بروان من بعده، وكذلك مارقريت تاتشر من قبلهم، وجميعهم عانوا من الإصابة بهذه المتلازمة بعد فترات طويلة في السلطة.
ويرى ديفيد أوين وجوناثان ديفيدسون وجوب تصنيف هذا المرض ضمن الأمراض النفسية التي تستوجب العلاج، وعلى وجه الخصوص في الأفراد الذين بقوا في مناصبهم مدداً طويلة منها، ومنهم يخشى الخطر على بلدانهم أو على السلم العالمي.
أما الدكتاتور المصاب بهذه المتلازمة فيرى شعبه وبلاده من خلال شخصه وليس العكس، وهو يرى نفسه دائماً على أنه القائد، الزعيم، الملهم، المانح، المانع، المهيمن، والشعب على أنه من يستلهم، ويطيع، ويسير خلفه. وقد تتطور حالته إلى حالة تشبه انفصام الشخصية فيتقمص دور القائد المحب العطوف أحياناً، وشخصية الجلاد الذي لا يرحم أحايين أخرى.
وكانت هذه سمات شخصيات ديكتاتورية مثل ستالين، وماو، وصدام حسين، أما شخصيات مثل روزفلت، وخروتشوف فقط قد طغى عليها حالات من تقلب المزاج المرضي من فرح ونشاط مفرط غير الطبيعي، وحالات من الاكتئاب الشديد. وقد أدمن كثير من هؤلاء الرؤساء مثل نيكسون، وتشرتشل على الكحول، وغيرهم على الأدوية والعقاقير.
وإذا ما كان هذا حال الرؤساء في دول ديموقراطية، فكيف يا ترى بحال بعضهم في عالمنا العربي. فبعضهم وصلوا السلطة كأبطال، وعششوا فيها لعقود متعاقبة ليتحولوا بعد ذلك إلى داء هبرسي عضال، فلم يبقوا ولم يذروا، حتى خيّل لهم أنهم مبعوثون من السماء لحكم كل ما يدب على الأرض. فقد استبشر السوريون في البدء ببشار، وسار الليبيون ذات مرة خلف العقيد المنقذ من الاستعمار، ومبارك دخل السلطة كمقاتل للوطن طيار، إلا أن ملايين البشر المغلوبة لم تعرف ما تخبئه لها الأقدار من نار ودمار. فقد وصل البعض من الأباطرة العرب إلى أسوأ حالات المتلازمة، فسلطتهم مطلقة وغير متداولة وتأخذ شكل ممارسة دكتاتورية مرضية يكون فيها الديكتاتور في حالة انفصام شبه تام عن الواقع، ويفقد ثقته في شعبه ويحيل البلاد إلى مزرعة للمخابرات، وهنا يبدأ بالتلذذ بإهانة شعبه وإيذائه من وقت لآخر ليحس أنه في موقع أدنى منه، وليحس هو أنه في منزلة أعلى من الشعب. فتجريد الشعب من كرامته يؤكد انفراد الزعيم الأوحد بها، فكرامته كرامة قدسية والمساس بها جريمة لا تغتفر.
وللتذكير فقط فإن هذه المتلازمة، حسب المقال، تصيب أيضاً كثيراً من المديرين، والمسؤولين، والعسكريين، والتجار، وغيرهم الذين يجدون أنفسهم في مراكز قوة وسلطة لمدد طويلة، بحيث تتسلل لهم الغطرسة مع قضاء وقت طويل في الكراسي، فيستفحل فيهم المرض بعد الإحساس بأنهم لم يصلوا لمراكزهم نتيجة لظروف معينة، أو لأهداف محددة، بل لأنهم فعلاً من فئة أعلى وأرقى من غيرهم، فلا تأخذهم فيهم لا رحمة ولا شفقة، وللغطرسة ضروب وفروع، ولكنها كلها في المحصلة النهائية نتيجة متلازمة مرضية واحدة.
ljgh.lm hgy'vsi gg];j,v lpl] hguf]hgg'dt