وقفمزهواً بإنجازه الذي أوصى به والده عندما قال وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة "ابن لك ياولدي في كل واد حصناً".
اعتبر أن بناء تلك الحصون القوية على القمم والوهادوالتي أنفق عليها معظم ثروة والده التي خلفها بعده آخر عمل يبره به. رغم الشكوكالتي كانت تساوره عن جدواها والحكمة من الوصية ببنائها. كانت الحصون ذات أبراج تمكنالحراس والمدافعين عن الديار من مشاهدة اللصوص والغزاة والمهاجمين وتصويب بنادقهمإلى صدورهم دون أن يرونهم أو يعرفوا حتى وجودهم. لكن ما كان يدركه هو أن والده كانيكره الحرب وتتسم علاقاته بجيرانه بالحب وقد دمر أكثر من حصن بني من الحجر عندماآلت إليه بعض الأملاك. ومع ذلك كان يعتبر أن هذه الوصية هي أهم ارث ورثه منأبيه.
في القرى المجاورة ساد الخوف والهلع من هذا التصرف واعتبره الكثير عملاًعدوانياً فقد أصبحت ترصد حركات الناس بل وحجب الرؤيا وعلت لذلك الأصوات المعترضةودق المستعجلون طبول الحرب والعزم على دك تلك الحصون وتدميرها.
استقبل وفودالمصلحين. لكن موقفه كان صلباً لم يتغير فهو يشعر بأنه أبرأ ذمته من وصية والده. وليس لديه الاستعداد بأن يكون عاقَّاً بعد أن كان وفياً طوال حياته ولو كلفه ذلكحياته.
العقلاء عادة يكرهون الانقياد للمستعجلين أو أصحاب النزوات العاجلةويعلمون ما تخلفه من أحقاد وثأر فنصحوا بالتريث.
مرت الأيام والسنين دون أن تؤديتلك الحصون ما توقعوه منها بل أصبحت مأوى للغربان والطيور المهاجرة.
وذات ليلةقاسية البرودة وبينما كان في طريقه إلى المسجد لأداء صلاة المغرب استوقفه عابر سبيليبحث عن مأوى وطعام بعدما أضناه التجوال فبادره بالسؤال.
أنت الذي بنى تلكالحصون؟
قبل أن يرد عليه تأمله فعرف من هيئته أنه عابر سبيل فضولي. لكن الشك وجدإلى نفسه طريقاً فلعله مدفوع. ورغم ذلك رد عليه بلهجة يغلب عليها التحدي.
ومايعنيك من ذلك؟
أريد مصلحتك.
حسناً. نعم أنا الذي بنيتها.
ولكن ماالهدف؟
شاط منه غضباً وقال بلهجة حادة:
الأمر لا يعنيك، هيا اغرب منوجهي.
ثم ولى متجهاً إلى المسجد.
مهلا ًيا سيدي. هل يحسن بك أن تطردضيفك؟
يبدو أن الغريب لديه رسالة هامة يود أن يوصلها إلى ذلك الابن المتصلبالتفت إليه وقال له: ولكن أنت متطفل وتتحدث في أمور لا تعنيك.
هل يجمل بك أنتستضيفني هذه الليلة لنستمتع بالدفء سويّاً؟
انتهت الصلاة وعادا سويّاً إلىالمنزل. تجاذبا أطراف الحديث وكان الغريب مصمماً على معرفة الهدف من بناء تلكالحصون أما صاحب المنزل فكان يتحاشى الخوض في الحديث عنها.
عندما علم الغريببالقصة رد يده إلى فمه ليمنع ابتسامة عريضة ارتسمت على شفتيه خشية أن يستمتع بالبردفي الخارج بدلاً من الدفء في الداخل.
قال وهو يحرك شهاب قبس ليزيد المكاندفئاً:
ولكن والدك أحكم منك يا بني. ولو كان حياً لاعتبر ما فعلته عقوقاٌ.
وأردف: إن والدك يا بني لا يقصد بناء حصون من حجر فهو يكره الحرب.
أليسكذلك؟
بلى... ولكن ماذا فهمت أرشدني.
إنه الحب يا بني ثم صمت.
وقع هذاالقول على المضيف وقع الصاعقة.
ضرب بيده على ناصيته وطأطأ رأسه قليلاً وقالمعاتباً نفسه:
إنه الغباء المستحكم.
لم يفق الناس في صبيحة اليوم التالي إلاعلى أصوات الانهيارات فقد بدت الحصون تتهاوى الواحدة تلو الأخرى حيث قرر هو والغريبوالجيران أن يبنوا حصوناً ولكنها من نوعآخر.
frJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJhdh pw,k