تعريف السبب :
السبب في اللغة كل شيء يتوصل به إلى غيره. وبهذا المعنى اللغوي للسبب ورد في قوله تعالى : ( وآتيناه من كل شيء سبباً فأتبع سبباً ) فالمعنى : آتاه الله من كل شيء معرفة وذريعة يتوصل بها فاتبع واحداً من تلك الأسباب. سواء كان هذا الشيء مادياً كآلة من الآلات المادية أو كان معنوياً كالعلم والقدرة.
كل شيء بسبب :
وقد دل القرآن الكريم على أن كل شيء يحدث بسبب سواء كان هذا الحدث يتعلق بالجماد أو بالنبات أو بالحيوان أو بالإنسان أو بالأجرام السماوية أو الظواهر الكونية المادية المختلفة. فقانون السببية أي ربط المسببات بأسبابها والنتائج بمقدماتها ، هذا القانون عام شامل لكل ما في العالم ولكل ما يحصل للإنسان في الدنيا والآخرة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( فليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسبب ، والله خالق الأسباب والمسببات). فمن الأسباب المادية قوله تعالى : (وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم). ومن الأسباب المعنوية : (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً).
والقرآن الكريم – كما يقول ابن القيم – مملوء من ترتيب الأحكام الكونية والشرعية والثواب والعقاب على الأسباب بطرق متنوعة ، فيأتي بباء السببية تارة كقوله تعالى : ( كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية) ، ويأتي باللام تارة كقوله تعالى : ( كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم) ويأتي بذكر الوصف المتقضي للحكم تارة كقوله تعالى : (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) ، فالله تعالى اقتضت حكمته ربط المسببات بأسبابها.
وقد يكون من المفيد أن أذكر هنا شيئاً مما جاء في مقالة لي نشرتها في مجلة التربية الإسلامية ببغداد قبل ما يقرب من ثلاثين سنة بعنوان : (القانون الرهيب) جاء فيها : (كثيراً ما يقول الناس إن الشيء الفلاني حدث صدفة ، ويمر هذا اللفظ على الأسماع كأنه قول صحيح. والواقع أن هذا اللفظ غير صحيح ، وليس له المدلول الذي يتبادر إلى الأذهان… فليس في الكون مكان ( للصدفة) وإنما هناك أسباب ومسببات ونتائج تسبقها مقدمات .. ما يسمى (صدفة) ما هو في الحقيقة إلا حدث يجهل الناس أسبابه.. ولكن الجهل بالشيء لا يعني عدم وجود ذلك الشيء وتوضيح هذه الحقيقة أن هذا الكون الواسع العجيب المدهش الذي خلقه الله تعالى: (الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين).. هذا الكون يجرب بموجب أسباب ومسببات تكون قانوناً عاماً هو في غاية الدقة والإحكام والشمول بحيث لا يخرج عنه شيء ولا يفلت منه مخلوق.. يحكم كل شيء من المخلوقات بلا استثناء: من أصغر ذرة إلى أكبر جرم ، ومن الجماد والنبات بأنواعه إلا ذي الروح بأنواعه ، ومن حركة الذرة في مادتها التي لا نشعر بها إلى حركة الريح العاصف التي تقلع الأشجار وتخرب البيوت .. فالكل خاضع ومنقاد لهذا القانون الرهيب لا يستطيع منه تفلتاً ولا خلاصاً.. وهذا الخضوع التام من الجميع ما هو في الحقيقة إلا خضوع للملك القوي الجبار واضع هذا القانون وخالق هذا الكون ، وعلى هذا دل القرآن الكريم ، قال تعالى : (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) ، وقال تعالى : ( وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون). وهذا القانون الإلهي العام المسمى في القرآن الكريم بـ (سنة الله) لا يقبل التبديل ولا التحويل.
وقد ذكرت كلمة (سنة الله) وأنها لا تتبدل ، في القرآن الكريم في مواضع كثيرة حتى يرسخ مفهومها في النفوس وتنحسر الأوهام عن العقول. (وسنة الله) أو هذا القانون الإلهي العام يقوم على الأسباب والمسببات وربط النتائج بالمقدمات على نحو هو في غاية الدقة والصرامة والاطراد.. والإنسان – وهو جزء من هذا الكون ، ولكنه جزء ممتاز – يخضع لهذا القانون في جميع حركاته وسكناته وتقلبات أحواله كما تخضع له أيضاً الأمم في علوها وانخفاضها وسعادتها وشقائها وعزها وذلها وبقائها وهلاكها .. وهذا الخضوع من الأفراد والأمم في جميع أحوالهم لهذا القانون الرهيب يساوي بالضبط خضوع الأحداث الكونية المادية لهذا القانون ، فكما أن سقوط تفاحة من شجرة هو نتيجة حتمية لأسباب معينة أدت إلى هذا السقوط ، فكذلك يعتبر سقوط دولة أو هلاك أمة نتيجة حتمية لأسباب معينة أدت إلى هذا السقوط ، فكذلك يعبر سقوط دولة أو هلاك أمة نتيجة حتمية لأسباب معينة أدت إلى هذا السقوط.
وهذا ما تقضي به سنة الله العامة التي لا تقبل التخلف ولا التبديل : ( سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً) ، وكل الفرق بين الأحداث الكونية المادية وبين الأحداث الاجتماعية هو أن أسباب الأولى واضحة بينة مضبوطة إذا عرفناها أمكننا الحكم بدقة على نتائجها وميقات هذه النتائج ، فالماء مثلاً ينجمد إذا بلغت درجة برودته كذا درجة ، ويصل إلى الغليان إذا وصلت درجة حرارته إلى كذا درجة وبعد كذا من الوقت ، وهكذا ..
أما أسباب الأحداث الاجتماعية فهي بمختلف أنواعها من سياسة واقتصادية وحضارية وعمرانية وغلبة ونصر وهزيمة وخذلان.. الخ ، أسباب دقيقة وكثيرة ومتشبعة ومتشابكة وقد يعسر على الكثيرين الإحاطة بها تفصيلاً .. ولكن مع هذا العسر يمكن للتأمل الفاحص الدقيق أن يعرفها ويحيط بها علماً ، كما يمكنه الجزم بحصول نتائج معينة بناء على أسباب معينة وإن لم يمكنه الجزم بميعاد حصول هذه النتائج ، فنستطيع مثلاً أن نحكم على وجه الجزم واليقين بزوال حكم أو سلطان إذا وجدناه قائماً على الظلم والإرهاب وإن كنا لا نستطيع تحديد وقت زواله على وجه الدقة والضبط كما نحدد ميعاد غروب الشمس أو شروقها ..
ومن أجل هذا الفرق بين الأحداث الكونية المادية وبين الأحداث البشرية يغفل الناس كثيراً عن سنة الله في الاجتماع البشري وفي تصرفات وسلوك الأفراد والأمم ، ويظنون أن أمورهم لا تخضع كما تخضع الظواهر الكونية لقانون الأسباب والمسببات ، ويقوي هذا الظن الخاطئ في نفوسهم أنهم يرون –في الظاهر – أسباباً متشابهة في دولتين أو أمتين ، ولكن أحوالهما مختلفة ، فيقولون : أين هو القانون العام الذي تزعمون ؟ وهذه الأسباب فيهما واحدة ولكن لم تؤد إلى نتائج واحدة ؟ وفاتهم أن الأسباب تؤدي حتماً إلى مسبباتها إلا لمانع ، وأن المقدمات تؤدي حتماً إلى نتائجها إلا لعارض ، وهم لم يبصروا الموانع والعوارض ، كما لم يبصروا كل الأسباب والنتائج فتراكم الخطأ عليهم فلم يعودوا يبصرون.
وسنة الله بينتها آيات كثيرة في القرآن الكريم ، فنحن نجدها في آيات قصص القرآن وسيرة الأنبياء ، وما جرى لهم مع أقوامهم ، وفي أخبار الأمم السابقة وفي صراع أهل الحق مع أهل الباطل. لو ذهبنا نعد هذه الآيات لألفيناها أكثر من آيات الأحكام ، فعلى ماذا يدل هذا ؟ نعتقد أن هذه الكثرة من آيات القرآن التي جاء فيها ذكر ( سنة الله) ومعناها وتطبيقاتها ، تدل دلالة قاطعة عن أهمية المعرفة بسنة الله في الكون ووجوب فهمها من قبل المسلمين ، كما يجب عليهم فهم أمور العبادات التي تخصهم ، لأن الله عز وجل لا يخص بالذكر في القرآن الكريم إلا ما يلزم ذكره ويحتاج الناس إلى معرفته ، فإذا تكرر ذكر شيء دل ذلك على أهميته ، ولهذا جاء في هذه الآيات التي أشرنا إليها ما يدعو إلى التأمل والاتعاظ والافتكار في سنن الله ، كما جاء فيها دعوة صريحة إلى وجوب فهم سنن الله في الاجتماع البشري.
فمن النوع الأول قوله تعالى : ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب). ومن النوع الثاني قوله تعالى : ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين).
ولهذا ترى أن من الضروري جداً للمسلمين عموماً – الحكام والمحكومين – أن يتفهموا سنن الله في الاجتماع البشري لينجوا من الهلكة أو ليتخلصوا منها إذا وقعوا فيها وقعوا فيها فعلاً ، وأن يعلموا أن هذا الفهم من لوازم الإيمان ومن فهم أحكام الإسلام.
منقول
rhk,k hgsffdm ( skm hggi td hgHsfhf ,hglsffhj )
مواقع النشر |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
تعليمات المشاركة |
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
BB code is متاحة
الابتسامات متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
من قال القرآن مخلوق | ساير بن فاضي الغنامي | منتدى الصوتيات الإسلامية | 0 | 11-21-2015 01:08 PM |
متوفي يحكي قصته | غيوم نجد | القسم العام | 13 | 11-29-2011 09:29 PM |
من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم | حر نجد | المنتدى الإسلامي | 8 | 06-08-2011 03:55 PM |
فتنة المسيح الأعور الدجال..من الصحيحين | سند | المنتدى الإسلامي | 10 | 04-14-2011 04:54 PM |
الحجج القويَّة على وجوب الدفاع عن الدولة السعوديَّة | ساير الغنامي | المنتدى الإسلامي | 6 | 02-16-2011 08:28 PM |