قبل ميلاد المسيح بخمسمئة عام ربط أبقراط (ويلقبه العرب بأبو الطب) بين أمزجة الناس وأربعة أخلاط أساسية في الجسم.. فهناك صاحب المزاج الدموي (وهو نشيط متفائل ولكنه ملول) والمزاج السوداوي (وهو مزاجي متقلب سريع الغضب) والمزاج الصفراوي (وهو مندفع متهيج يفعل ثم يفكر) أما المزاج الرابع فهو البلغمي (وهو هادئ خامل يصعب استفزازه)!!
... ومن الواضح ان العرب تأثروا بفكرة الاغريق حول الأمزجة والعناصر الأربعة ؛ فابن القيم مثلا شخّص رمد العين بقوله: «هو ورم دموي حار يعرض في العين وسببه انصباب احد الأخلاط الاربعة».. وجاء في شرح العقيدة الطحاوية: «غضب الملائكة لا يجب ان يكون مماثلا لغضب الآدميين لأن الملائكة ليسوا من الأخلاط الأربعة حتى تغلي دماء قلوبهم كما يغلي دم الانسان»!
.. ورغم صعوبة تصنيف الناس بهذه الطريقة ؛ إلا أن فكرة تقسيم البشر الى أربعة أمزجة أو طبائع ظهرت على مر القرون والثقافات بأثواب وصور مختلفة (ولا أعرف سر اتفاقها على الرقم أربعة)..
فالفراسة في الصين مثلا تعتمد على دراسة أشكال الوجه الأربعة ؛ فهناك صاحب الوجة المثلث (ويتميز بالذكاء والإصرار وشدة الحساسية) والوجة المربع (وهو حاد تنافسي يعمل بتخطيط) والوجة المستطيل (وهو عفوي هادئ يفكر للمدى الطويل) والوجة الدائري (وهو اجتماعي عشوائي محب للراحة)..
والعجيب أن فكرة تربيع - إن جاز التعبير- رافقتنا حتى هذه الأيام.. فمن المعروف مثلا ان العالم النمساوي كارل لاندشتاينر اكتشف فصائل الدم الأربعة في بداية القرن العشرين. وبعده بفترة بسيطة لاحظ العالم الياباني توشيكا نومي ان طبائع وأمزجة البشر يمكن تقسيمها ايضا حسب هذه الفصائل. فقد لاحظ ان من يحملون الفصيلة a جادون وحذرون ويهتمون بالتفاصيل. ومن يحملون الفصيلة b مرنون ابداعيون ويتحاشون التقليد. ومن يحملون الفصيلة o واقعيون واضحون يعشقون القيادة. اما من يحملون الفصيلة ab فاجتماعيون فكاهيون وينجحون في مجال السياسة والسينما..
وبعد توشيكا حدد عالم النفس السويسري كارل يونج اربعة انماط للشخصية هي: النمط الانطوائي ، والانبساطي ، والحركي ، والادراكي..
وفي عقد الخمسينات اكتشف العالم الامريكي جي واطسون الشريط الوراثي للانسان (dna) الذي يتكون من أربعة اجزاء تقدم في تكرارها تفسيرا وراثيا لطبائع الانسان الاربعة..
.. أما الطبيب ايليوت برافانيل فاكتشف وجود صلة بين شكل الجسم وأربعة أنماط للشخصية هي الجسم المتناسق (ويتميز صاحبه بالثقة والعناد والفعالية) والسمين (وصاحبه مرح اجتماعي طلق) والكمثري الممتلئ من الاسفل (ويتميز صاحبه بحب الرعاية والاهتمام والهدوء) والادرنالي المكتنز في منطقة البطن (وهو عنيد مقتدر لحوح)!
.. ورغم اتفاق معظم الثقافات على وجود أربعة تقسيمات - أو قوالب أساسية - للشخصية ؛ إلا انه يصعب تأكيدها أو إصدار حكم نهائي بخصوصها.. وحتى في حال إثبات وجودها قد تتداخل فيما بينها - وبنسب متفاوتة - فتعطينا تلك المفارقات والمزايا الثانوية الصغيرة في كل شخصية..
ورغم هذا نلاحظ أن الناس (حين يحكمون على شخص معين) يلبسونه طابعاً واحداً ويضعونه في قالب صارم ويغلقون عليه الصندوق الى الأبد!!
vrl hvfui ,a dukd g;