أمر بطلب العون من الله تعالى دون غيره ،
لأن العبد من شأنه الحاجة إلى من يعينه في أمور معاشه ومعاده ،
ومصالح دنياه وآخرته ، وليس يقدر على ذلك إلا الحي القيوم ،
الذي بيده خزائن السموات والأرض ، فمن أعانه الله فلا خاذل له
، ومن خذله الله فلن تجد له معينا ونصيرا ، قال تعالى
{ إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده }( آل عمران : 160 )
، ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من قول :
( اللهم أعني ولا تعن علي) ، وأمر معاذا رضي الله عنه ، ألا يدع في دبر كل صلاة أن يقول
( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) رواه النسائي وأبو داود .
وإذا قويت استعانة العبد بربّه ، فإن من شأنها أن تعمّق إيمانه بقضاء الله وقدره ،
والاعتماد عليه في كل شؤونه وأحواله ، وعندها لا يبالي بما يكيد له أعداؤه ،
ويوقن أن الخلق كلهم لن ينفعوه بشيء لم يكتبه الله له ، ولن يستطيعوا أن يضرّوه بشيء
لم يُقدّر عليه ، ولم يُكتب في علم الله ، كما قال سبحانه :
{ ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب
من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير } ( الحديد : 22 ) .
ولما وعى سلفنا الصالح هذه الوصية ، أورثهم ذلك ثباتا في العزيمة ،
وتفانيا في نشر هذا الدين ، غير مبالين بالصعوبات التي تواجههم ، والآلام التي تعتريهم ،
لأنهم علموا أن طريق التمكين إنما يكون بالعمل بهذه الوصية النبوية ،
وأن الفرج يأتي من بعد الكرب ، وأن العسر يعقبه اليسر ، وهذا هو الطريق الذي سلكه
أنبياء الله جميعا عليهم السلام ، فما كُتب النصر ل نوح عليه السلام ،
إلا بعد سلسلة طويلة من الجهاد مع قومه ، والصبر على أذاهم ، وما أنجى الله نبيه
يونس عليه السلام من بطن الحوت ، إلا بعد معاناة طويلة عاشها مستغفرا لربّه ،
راجيا فرجه ، معتمدا عليه في كل شؤونه ، حتى انكشفت غمّته ،
وأنقذه من بلائه ومحنته ، وهكذا يكون النصر مرهونا بالصبر على البلاء والامتحان .
إننا نستوحي من هذا الحديث معالم مهمة ، ووصايا عظيمة ، من عمل بها ،
كتبت له النجاة ، واستنارت له عتبات الطريق ، فما أحوجنا إلى أن
نتبصّر كلام نبينا صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته ،
ونستلهم منها الحلول الناجعة لمشكلات الحياة ،
ونجعلها السبيل الأوحد للنهضة بالأمة نحو واجباتها