صاحبة هذه السيرة العطرة ، واحدة من المسلمات المجاهدات اللاتي حظين بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم ، ورافقن الرسالة النبوية الشريفة ، منذ أشرقت أنوارها في المدينة المنورة ، ففي ثنايا بيتها فاحت روائح الطيب في" طيبة " الطيبة فانتشر فيها الإسلام فكانت خيراً وبركة على أرجاء المعمورة .
نعم .. ففي هذا الجو الإيماني العظيم وفي ظل التقوى نشأت هذه الصحابية الجليلة ، ونهلت من معين الإسلام الصافي النقي ، فأعطت الكثير الكثير ، فكانت أمّاً لشهيدين عظيمين ، وبطلين مُباركين من أبطال الإسلام .
نسبها
هي أم حارس رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم بدر، وحامل راية الأنصار أيضاً ، وواحد من مجلس شورى النبي صلى الله عليه وسلم يومذاك .وابنها هذا هو الصدّيق الثاني بعد سيدنا أبي بكر رضي الله عنه وخليفة أبي بكر رضي الله عنه ، وخليفة رسول الله على المدينة في غزوة بواط .. وهو الذي اهتز عرش الرحمن لموته . نعم هي أم من حكم بحكم الله من فوق سبع سموات .
إنها أم الأبطال .. أم سعد بن معاذ كبشة بنت رافع بن معاوية بن عبيد الأنصارية الخدرية ، واحدة من النساء الفاضلات اللاتي قدمنّ الخير في جميع المجالات ، وهي واحدة ممن شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدق ، ودعا لها بالخير والأجر العظيم .
كانت كبشة قد تزوجت معاذ بن النعمان الأشهلي فولدت له سعد بن معاذ وعمراً وإياساً وأوساً وعقرب وأم حزام بني معاذ بن النعمان .
إسلامها
أسلمت كبشة وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لها كبير الأثر في تاريخ الإسلام فها هي المدينة تستضيف شاباً وسيماً من مكة هو مصعب بن عمير رضي الله عنه ، سفير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ليُعلّم أهلها القرآن ، ويُفقههم في أمور الدين .
وهكذا بدأ الإسلام ينتشر في دور الأنصار حتى وصلت الدعوة إلى دار بني الأشهل فأسلم سيد الأوس سيد بن الحضير، وسعد بن معاذ الذي وقف أمام قومه بني عبد الأشهل فقال : كيف تعلمون أمري فيكم ؟؟ قالوا : سيدنا وأفضلنا . قال : فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام ( أي أمنع نفسي من ذلك ) حتى تؤمنوا بالله ورسوله ، فما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً أو مسلمة .
وسارعت أم سعد إلى إعلان إسلامها ، وسعدت بنعمة الإيمان سعادة عظيمة ، بل ازدادت سعادتها عندما أضحت دارها مقراً ومكاناً لسفير رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها انبعثت نسمات الإيمان تعطر أرجاء المدينة والدنيا كلها .
- ذكر ابن الجوزي رحمه الله في " صفة الصفوة " أن أول دار أسلمت من دور الأنصار دار بني عبد الأشهل . فأكرم بها من دار .
- وذكر ابن حجر رحمه الله في " الإصابة " فقال : أول من بايع النبي صلى الله عليه وسلم ( أمّ سعد بن معاذ ) وهي كبشة بنت رافع بن عبيد ، وأم عامر بنت يزيد بن السَّكن ، وليلى بنت الخطيم ، وكم كان سرور أمّ سعد عظيماً حينما ترامى إلى سمعها قول النبي صلى الله عليه وسلم يذكر دارها ودور الأنصار بخير، فقال : " خير دور الأنصار بنو النجّار ثم بنو عبد الأشهل ، ثم بنو الحارث الخزرج ، ثم بنو ساعدة , وفي كل دور الأنصار خير " .
- ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن أختي كبشة قد أسلمتا وبايعتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما: الفريعة أو الفارعة بنت رافع ، وسعاد بنت رافع وهي أم أسعد بن زرارة أحد النقباء الأخيار، وهو ابن خالة سعد بن معاذ رضي الله عنهم جميعاً .
محبتها للرسول صلى الله عليه وسلم
لقد كان لها رضي الله عنها وقفات إيمانية تدل على جهادها وصبرها ، فقد خرجت في غزوة أحد مع من خرج من النساء ينظرنّ إلى سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم – بعد أن وردت الأخبار إلى المدينة باستشهاد عدد من المسلمين ، وكان من بينهم ابنها عمرو بن معاذ رضي الله عنه لكن الأم المجاهدة كانت ترجو سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبلت مسرعة نحو أرض المعركة ، فلمّا علمت بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمدت الله تعالى واعتبرت مصيبتها هينة .
وكان عمرو بن معاذ رضي الله عنه يُجالد في صفوف المشركين حتى لقيه ضرار بن الخطاب فقتله وكان يومئذ ما يزال على شركه .
موقفها مع ابنها
ومن مواقف الصبر والجهاد لهذه الصحابية الجليلة موقفها يوم الخندق حين كانت مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما في حصن بني حارثة ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين خرجوا إلى الخندق قد رفعوا الذراري والنساء في الحصون مخافة العدو عليهم ، قالت عائشة رضي الله عنها : فمرّ سعد بن معاذ وعليه درع مقلصة – قصيرة – قد خرجت منه ذراعه كلها ، وفي يده حربة يرفل بها وهو يرتجز بيتاً من الشعر لحمل بن سعدانة الكلبي ويقول :
لبثت قليلاً يشهد الهيجا حَمَل ... لا بأس بالموت إذا حان الأجل
فقالت أم سعد رضي الله عنها : إلحق يا بُني فقد والله أخرّت ، وبهذه الكلمات تظهر لنا شجاعة أم سعد وحرصها على ابنها أن لا تفوته لحظة دون أن يحظى بمعية رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أصيب سعد بسهم قطع منه الأكحل، وهو عِرق في الذراع يُسمى عرق الحياة، رماه به حبان بن العرقة.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن سعد: (اهتزَّ عرش الرحمن عزّ وجلّ لموت سعد بن معاذ).
والمعنى: انتعش العرش وحاملوه فرحًا بقدوم روحه رضي الله عنه ، وفي هذا دليل علوّ مقامه ورفيع مكانته،
وبعد فهذه نفحات ندية من سيرة صحابية جليلة فقد صبرت ابتغاء مرضاة الله عزّ وجلّ فرضي الله عنها وأرضاها لأنها ضربت الأمثلة في الصبر والوفاء.